التعزيل، التنظيم، أيًا كان… المهم الخفّة
![]() |
رسمتها عبر تطبيق Procreate |
في ديسمبر ٢٠٢٤، تحوَّلت حياتي بشكل كبير، واتخذت قرار، التخلص من كل شيء متراكم، سواء في المنزل أو في مكتبي أو حتى أجهزتي ومساحة "نوشن" التي تولد منها تدويناتي. كانت جلسة حميمية مع نفسي حيث اقنعتها واتفقنا سويًا على مبدأ قد تلمحه في حياتك بشكل متكرر ولكن دون وعي كافٍ مننا.
من موقف بسيط - قررت حذف لعبة لم تبقى في هاتفي إلا أربعة أيام، وسببت لي توترًا لأنني مسجلة حسابي من حساب -قوقل-، فأخذت وقت طويل لمعرفة طريقة فكَّ ارتباط الحسابين ببعضهما، ثم دخلت على الحساب وقررت حذفه ثانيةً، وبرزت في منتصف شاشة هاتفي، رسالة، "سيتم حذف حسابك في ٧ أيام، وتستطيع العودة إليه خلال هذهِ الأيام". وما قرأت هذهِ الرسالة إلا رقص التطبيق ثم طار. واسترخيت أخيرًا، لكن الرسالة لم تغادرني. وهنا خرج هذا المبدأ.
إذ لا تستخدمه خلال ٩٠ يوم، فأنت لا تحتاجه، إذ لم تستخدمه خلال ١٠ أيام، فأنت لا تحتاجه بالفعل! استشعرت كل شيء في حياتي قد استخدمته، أو لبسته أو حتى فكرت في مشاهدته أو استماعه! كل شيء حرفيًا. في كثير من المواقف خصوصًا نحنُ النساء، نضع كل شيء على مبدأ قد نحتاجه، وفي الحقيقة المرَّة هي إننا لن نحتاجه أبدًا. فيشغل مساحة كبيرة وقد يستفيد منه الآخرين أكثر منك!
رغم متابعتي الطويلة لقناة امرأة اسمها كرستين يو عبر موقع اليوتيوب. فهي تقوم بتنظيف منزلها وتشاركنا طريقتها في التنظيف والتنظيم، إلا إنني لم اتأثر بشدة على عكس ما أدركته في تطبيق اللعبة، في موقف شخصي! ولكن بعد ذلك قررت العودة لمشاهدة بعض الفيديوات التي تخص التعزيل لأتعلم "كيف تبَّسط منزلك" أو حتى طريقة كيف تتخلص من التراكمات!
ولا أدري لماذا فجأة خَرج هذا القرار! وكأنني استقيظت من وقت طويل جدًا! وأدركت عدم احتياجي لأشياء كثيرة خزنتها!
أثق تمامًا بأننا نخزن أشياء قد يحتاجها الآخرين أكثر منا مثل الملابس أو حتى البطانيات، أو حتى الأواني أو أشياء بالفعل قد لا يحتاجها الآخرين فلماذا نبقيها؟ .. تحت مكتبي كانت هناك أشياء كثيرة لا أدري لماذا قررت تخزينها والاحتفاظ بها من الأساس! فقمت برميها، وفجأة شعرت بإحساس رائع! التخلص من كل شيء زائد ممتع جدًا ومريح وقد يشعرك بالخفَّة في المكان الذي تجلس به كثيرًا، مثل غرفتي طبعًا. وبالمناسبة، حتى بعد مرور أسابيع لم أفتقدها بل بالفعل أصبح المكان نظيف ومتجدد ولم أشعر بأنني فقدت شيئًا مهمًا بالفعل!
وبعدما شعرت بهذا الشعور، أخذت دفتري البنفسجي الذي أهداني إياه أخي خالد، وخططت لكل شيء أريد تعزيله وإعادة تنظيمة، مثل خزنة الملابس والملابس نفسها، أعيد قياسها والتخلص من الزائد والجديد منها التبرع بها للمحتاجين، ثم تسريحة الشعر ثم الأدوات اليدوية، ثم منتجات الشعر، ثم الأحذية -أعزكم الله- ثم أخيرًا مكتبي… آخ يالصعوبة الموضوع حينما وصل إلى كتبي وأوراقي!
بعد القرار الذي أتخذته، بالصدفة قرأت تدوينة عبر موقع ثمانية للكاتبة بثينة، «رابط التدوينة»، وكانت تتحدث عن التعزيل، عن أفكار الكُتَّاب وطريقة تدوينهم، التدوينة رائعة بلا شك، لكنني وصلت لجزئية مخيفة بعض الشيء، وهي التخلص من الدفاتر التي قد كتبت بها يومياتي! فأنا أملك ٨ دفاتر للتدوين أستخدمتها من ٢٠١٨، فكيف يأتيني قلبًا لأرميها؟ لم أهتم كثيرًا بأي شيء آخر قد أرميه، فقد كنت أملك الشجاعة لكن حينما وصل للدفاتر التدوين قلقت جدًا، رغم وثوقي بنفسي إنني لن أعود لقراءتها أبدًا ولن أسمح لأحدًا أن يقرأها. والسبب مجهول فعلًا.
وإذا كنت تفكر، وتقول لأبد لقراءة الإنجازات السابقة، فأنا بالفعل أقوم بذلك في دفتر تدوين صغير خاص فقط لكتابة الإنجازات التي قمت بها حتى لا أنغمس في موضوع متلازمة المحتال أو أنسى ما قد اجتهدت به. لكن فكرة إحراق الدفاتر مثيرة للدهشة جدًا بالنسبة لي، وإذا فكرنا بها فإننا قد نجد تدوينة بثينة على حق! فهناك جانب آخر من التدوينة وهي «فوضى حياتنا بعد الرحيل» فلماذا نثقل على عائلتنا حمل فوضى حياتنا بعد الموت بالتدوين لكل شيء نمرَّ به؟ والحقيقة الأخرى هي: لماذا يقرأون أشياءنا الخاصة؟ حتى بعد وفاتنا.
نعم، الحقيقة المرَّة التي قد لا أتقبلها وقد يثقل همي هي إنني لأبد أن اقوم بإحراقها كلها والشعور بالخفَّة ثانيةً والكتابة مجددًا في دفاتر جديدة وتجاوز التراكم. فالشعور أشبه بالنشوة أو دفقة من الأدرينالين، وإنه طبيعي نوعًا ما، وأنا من فترة طويلة جدًا رغبت بالتخلص من كل شيء لكن لا شيء يدفعني للقيام بذلك. فهذهِ هي الفرصة التي أريد الاستفادة القصوى منها ورمي كل ما أوهمت نفسي به إنني احتاجه.
ولو كنت تخطط كيف تقوم بذلك؟ فالخطة بسيطة جدًا وغير مجهدة، أبدأ أولًا بالأشياء الصغيرة التي تأثيرها طفيف مثل خزنة الملابس، ثم بعد ذلك الأحذية -أعزكم الله- ثم العطورات ثم التطبيقات والصور التي لا تحتاجها في هاتفك. والنصيحة الأهم لا تبدأ في كل شيء مرة واحدة لأنك ستفقد ميزة الشيء الذي ستقوم بتعزيله يفضل يوميًا أو كل أسبوع حتى لا تضجر. وأبسطها، عزَّل هاتفك وأجهّزتك.
تعليقات
إرسال تعليق
شاركني رأيك، لأنه يهمني.. الخانة مفتوحة لبحر كلماتك 💌