الأدب الفارسي ملاذًا أمنًا ودافئًا.

تقييم ومراجعة كتاب مكتبتنا الصغيرة في طهران للمؤلفة مرجان كمالي - ترجمة مصطفى بنعمي

رأيتُ هذا الغلاف الأزرق الأنيق في العديد من التغريدات على تطبيق إكس، وأثار فضولي حقًا، لأنني أرغب في الأدب الفارسي كما كُتبت آذر نفيسي. بدأت في قراءة الغلاف الفاتن، وزادت إثارتي مع العنوان الأحمر "مكتبنا الصغيرة في طهران". إنهُ حلمي الذي اعيشه الآن بين يديّ. لنِحلم سويًا مع مرجان كمالي

يدفعني الحنين لكتب آذر نفيسي، خصوصًا كتاب "أن تقرأ لوليتا في طهران" الكتاب الذي عشت تفاصيل روايته أكثر من حياتي في تلك الفترة. تعلّقتُ بكتابها جدًا للحد الذي يجعلني أتذكر كل تفاصليه بعد قراءته بعام واحد فقط. ولكنني الان أجد الراحة مع مكتبتنا الصغيرة في طهران تعوضني عن هذا الحنين. تتشابه الروايتان كثيرًا، لهذا شعرت بالدفء معهما.

فتاة فارسية في ربيعها السابع عشر تعيش في إيران، وتحلم بتحقيق إنجازات عظيمة، تقوم بقراءة الشعر والروايات وتمسك يديها الرقيقة بكثير من كتب الشاعر الفارسي سعدي الشيرازي، يحلم والدها بأن تكون عالمة أو كاتبة رائعة، مستلهمًا حديثه عن هيلين كيلر التي تحضر روحها في وقت الإفطار يوميًا لتقديم جرعة الأمل لبناته المحبوبات. اجتهدن، ارجوكن، وحاولن إن تخرجن من هذهِ البلاد الفارسية عالمات أدبيات قارئات.

في قلب مكتبتها التي تُحبها تشتعل شعلة حُبّ بينها وبين الشاب الذي ينوي أن يُغيّر العالم، هي تراه فوضويًا ويسرح شعره بطريقة مُضحكة، فكيف يمكن بهذا الشكل ينوي أن يُغيّر العالم؟ لكنها حينما اقتربت منه أكثر لامست ذلك الجانب الذي يخفيه تحت تسريحة الشعر الطريفة، وكان دائمًا على عجلةً من أمره، بينما هي تُقلب صفحات الدواوين الشعرية. تنظر إليه وهو في عجلةً من أمره. وجذورها تنوي التقرّب إليه أكثر.

مكتبتنا الصغيرة في طهران هي عالم متكامل. رواية سياسية رومانسية تشهد أجواء طهران الحارة صيفًا مع المعارضين والمتمردين والشرطة الحكومية في ساحة الميدان. تضمّ الرواية كل ما تراه في حياتك اليومية. مُعقدة بالعلاقات والشؤون السياسية والحب والصداقة والعائلة. وتشعر بالحياة التي تنبض بقوة في عالم مرجان الفارسي والأمريكي. يا لله العجب ما الذي قرأته وانبهرت. إنه من نوع الكتب الذي لا يغادرك مهما غادرته. كل الأدب المتعلّق في طهران ينبض في عروقي الدافئة.

رويا فتاة حالمة بسيطة رقيقة تحملها مشاعر الحب في غيوم السماء وتنسى إن تعيش في حرب شيوعية قائمة في بلادها والشعب الذي يحاول الاطاحة برئيسهم الموعود ذو الأفكار النابغة. تهوى بها الغيمة إلى ميدان وسط المدينة وتغرق تنورتها البيضاء بالدماء ثم تدرك إن مشاعرها لم تكن إلا في طيات الكتب ورفوف الدواوين وحواف الأسطح وغبار مكتبتهم الصغيرة في طهران.

الميزة الخلاّبة في هذا الكتاب هي إنَّ مؤلفته لا تترك وحيدًا تُلملم الأحداث لوحدك كما فعلت جين أوستن. في كل سطر كانت تترك كل الأحداث للقارئ وتتركه يسرح بعيدًا ويتجول عنها بحرية. لكن مرجان كمالي تمسك يدك وتركض بك للمشهد الواقعي وتفلت يدك وتجعلك تدرك المشهد حينما تَرفع رأسك. إنها تساعدك في جعل خيالك يزداد خصوبة! تقوّي وتحفّز عقلك. ثم تمسكك مجددًا لتعيدك إلى المكتبة حيثُ تشم رائحة الحرق والأوراق وتسمع النار وهي تلتهم كل مافي المكتبة. مرجان كمالي أديبة فارسية إمريكية مُبدعة في الكلمة بلا شك ولكن الذي أفسد آخر قطرةً في الشاي هي؛ الترجمة. إنها أسوأ ترجمة على الإطلاق فقد كانت تتقيأ الكثير من الأخطاء الإملائية والتركيبات وحاولت في العديد من الفصول تجاوز هذهِ الأخطاء. لكنني لم أستطع أبدًا. فعيني فجأة تُحدق في كلمة وحينما عقلي ينتبه لذلك. اتوقف واحاول تهجئة الحروف وصياغتها كثيرًا في عقلي الرمادي لَعلي أخرج بكلمة تُليق بهذهِ الجملة من كثرة الأخطاء الإملائية. وأتمنى بصدق أن أجد نسخة عربية مترجمة بأسلوب إبداعي وخالية من الأخطاء.

لم تكن رويا ترغب في ترك حبيبتها طهران خلفها مهما كانت خلفت منها الكثير من الآلام وانكسار القلب والانقلابات الفوضوية السياسية التي كانت تنبع بها. قررت أن تعيش أخيرًا بمجرد ما دفعها والدها لتلك الحياة الأمريكية التي كانت تشهدها في دور السينما وحياتهم الحديثة التي تبلغ نشوة المتعة. قررت أن تبني حياتها مع أختها وتشارك لحظات رائعة مع صديقاتها والاستمتاع بحياة الأمريكيين التي تعتمد على الحلم وتناول مخفوق الحليب بالفراولة ومع ذلك فإنّ هذهِ اللحظات الشبابية لا تعوض أبدًا هذا الحنين لِبلادها.

يجب أن تعطي هذهِ الرواية حقها فلا تستعجل في قراءتها ولا في تحليلها خذّها برقة وعمّقها البسيط المختلف في الأدب — استعجلت في قراءتها بداية الشهر ثم ادركت إنني لا يجب أن اقرأها بهذهِ السرعة ثم انتهي منها واقلق إنني لم اتحدث عن النقاط المتعددة في هذهِ الرواية والجوانب العديدة التي ذكرتها المؤلفة فهي لا تقتصر على إنها رواية رومانسية سياسية فهي تحمل أيضًا في صدرها الثقافة الفارسية والثقافة الأمريكية أو الثقافة الحديثة الأمريكية وأيضًا الحوارات الشهيّة عن المطبخ الفارسي و برجر اللحم ذو الخبز الطري من المطبخ الأمريكي المتعدد باللحوم — لا تستعجل!

خففت سرعة قراءتي كما اخفف سرعة قيادتي للسيارة لأنني أحيانًا لا اشهد مباني مدينتي الرائعة وهي تتطاول شاهقة في السماء كما هو حال مكتبتنا الصغيرة في طهران حتى بعد انتقال رويا إلى أمريكا تظل الأحداث مهمة وشيّقة يجب التأني في قراءتها.

القسم الثاني في الرواية كان غريب بعض الشيء وجعلني افقد وتيرة الشغف! وتسألت ماذا يا مرجان؟ ماذا حدث لرويا وبهمان؟ بعد آخر رسالة وآخر مكالمة! انتظرت وانتظرت إلى ان اغلقت القسم الثاني وخرجت رويا من جديد بصدمة جديدة في حياتها وانبّهرت والان انا ابحر مع حروف مرجان في القسم الرابع ولا ادري من هم علي و بدري؟ وما علاقتهما في رويا وبهمان واختها ؟ — هل كانت استراحة خفيفة أم لهما علاقة فعلًا في المستقبل مع أحداث القسم الأول.

الرواية رائعة جدًا وأحببتها وكما وعدتني من الأدب الفارسي الذي يميل قلبي إليه ميلًا شديدًا. تألمت كما تألمت رويا حينما غادرها دون سببًا ما أو حتى تقديم الإعذار. اشعر بالقسوة والوحشيّة التي أصابت علاقتهما، ولكنها هاهي تجادله وتحاول معرفة السبب بعد ستين سنة! لماذا! كانت هذهِ الكلمة التي تتجول في خاطرها لسنين طويلة حتى بعدما تزوجت وأنجبت! لماذا يا بهمانها؟

عندما أبتدأ قلبها ينبض ويشتعل به كانت في المكتبة الفارسية وعندما قررت البحث عن الحبر والمداد وجدت غايتها من سِنها الصغير في المكتبة الأمريكية. ووجدت ضالتها لِتسأل مجددًا وتخرج الكلمة التي علقت في حنجرتها ستين سنة؛ لماذا؟

أرجوك قارئي المنّحك أعطي مكتبتنا الصغيرة في طهران الوقت الذي تحتاجة الرواية لا القارئ. أمنح نفسك هذهِ المتعة التي خضتّها مع مرجان كمالي ومع الأدب الفارسي.. فلا تبخل على نفسك بمتعة مؤلمة لذيذة. وأمَّ المترجم، الله يسامحك.

كانت أم رويا تقول دائمًا إن قدر الإنسان مدّون على جبينه منذ يوم ولادته. تستحيل رؤيته وقراءته، ولكنه هناك مدّون بالحبر الخفي، والحياة تمشي على ما يسطره، مهما يكن.

عبرتا بالقرب من بركة سمك الكوي ذات القرميد الفيروزي فألفت رويا نفسها تغبط السمكات التي تسبح فيها، فكل ما تفعله هو السباحة في مياه زرقاء باردة، ولم يكن يُنتظر منها أن تصبح أعضاء ناجحات في أفضل طبقة مهنية عرفتها الأمة.

تلك العروة التي تربطهما لا انفصام لها بعد اليوم أبدًا.

العاشقان لا يلتقيان، لأن كل واحد منهما يسكن الآخر إلى الأبد.

إن الأمور في هذا العالم الرهيب لا تسير على هوى النساء ومواقفهن، فما هي إلا أن يوافق الرجل عل أمر فيقضى.

إنكم تحسبون أنكم تستطيعون نهش لحمي فقط لأنني فقيرة.

إشغال المرء لذهنهِ دائمًا ما يساعد على تخفيف لوعته.

وبينما الناس يعانون خسارة قائد، لا أشعر أنا إلا بخسارتك أنت.

كل شيء كان يذّكر رويا بماريغولد: كل كلمة وكل ثانية وكل شخص. إلا أن كلمة يذّكر لم تكن الكلمة الصائبة في هذا السياق. فالمرء منا إن أراد أن يتذكر شيئًا فعليه أن ينساه أولًا حتى يتذكره من جديد.

لقد استمر العالم، رغمًا عنها، يجري في مساره في مرح لاذع وبارد.

وجدتُ السلم في وجودك.

ما كانت لتفهم آنئذ أن الزمن ليس مستقيمًا، بل دائريًا.

 نهاية مُذهلة تليق بهذهِ التحفة الأدبية.

التقييم النهائي: ١٠ من أصل ١٠ 📚🇮🇷.

تعليقات

المشاركات الشائعة