الكتاب الأصفر والكثير من…

تقييم ومراجعة كتاب السماح بالرحيل د. ديفيد هاوكينز عن ترجمة أرجوان بنت سليمان عن دار الخيال 

لطالما أردت قراءة هذا الكتاب دون معرفة حقيقته المزعجة. فلقد رأيته في كل مكان ابحث فيه عن الكتب. وحتى عبر مشاركات إحدى مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي. والتي تختص بمجال الماكياج النسائي. وشدّني ذلك الكتاب بقوة وياليت إنني قمت بالبحث عنه ولم أشتريه سريعًا. وأجلس على مقاعد رخاميّة باردة يعتريني الحزن ويكسوني الألم. والكتاب الأصفر بين يدي. كتبت أول ملاحظات في الورقة الأولى بعد غلاف الكتاب في سنة ٢٠٢٣. وكانت ملاحظة قوية لدي في وصف هذا الكتاب. مثل التنمية البشرية، البرمجة اللغوية العصبية، الهالات. مصطلحات قوية متداولة في فترة طويلة. أيّ من كان قالها فتتعرف سريعًا عليه بأنه يميل إلى التمنية البشرية، مثلما اشتهرت سمية الناصر، بفيديوهات صريحة تبرز فكرة التنمية البشرية وعلوم الطاقة وعلوم زائفة كما ذكرتها في التدوينة السابقة. كانت سمات هذا الكتاب بارزة وواضحة للغاية، لكنني أكملت القراءة. لأنني ثابتة على قاعدة: هو كتاب وقع بين يدي.

فكيف كانت تجربة هذا الكتاب الأصفر؟ كما ذكرت سمات التنمية البشرية بارزة وبقوة مثل لمعة الذهب. أظن يراودك ذلك السؤال قارئي، إذ كان الكتاب يحمل كل هذهِ الأفكار فلماذا قررتي شراءه؟ في الحقيقة كما قلت سابقًا لم أكن اعرف عنه أيّ معلومة وهذهِ الضريبة أحملها على كتفيّ مُثقله، فالبحث أمرً مهم لكنني أتجنبه دائمًا حتى لا أقتل مُتعة الكتاب وجلدي يلامس غلافه. فقد كانت فكرتي الرئيسية عن الكتاب، هي التخلص من العلاقات المؤذية، كيف تتجنب الاشخاص الساميين، علامات للأشخاص ذو قيمة أو ذو مصلحة شخصية، وهكذا. هذا ما كنتُ بالطبع أفكر بهِ. لم أتصور أبدًا إنه كتاب تنمية أو قلّ عنه ما تود قوله. لكنه لم أحلم بعلاقه بهذهِ الصورة.

على رغم عنوانه البسيّط إلا أنَّ هدف هذا الكتاب واضح. يسعى الكتاب إلى التشكيك في عقائدك ومبادئك وفي كل ما تؤمن بهِ وتعبتره مبادئ ثابتة في حياتك. يتركك في حالة من الارتباك والتشتت، بحيث تجد نفسك مشتتًا في كل الاتجاهات، دون وجهة واضحة أو هدف مُعين. لا يهتم الكاتب بما تؤمن به، ولا حتى يولي اهتمامًا بالأمور الدينية التي تتبعها. الهدف الأساسي التحطيم كل ما تعتقد به، ثم البدء في بناء نفسك مر أخرى، ولكن هذهِ المرة وفقًا لما يراه الكاتب مناسبًا ومنطقيًا. مثال على ذلك، لو أن هناك شخص يعاني من مرض فعلي في جسده ويسبب له التعب والضعف ببساطة من المفترض على هذا المريض أن يدع المرض يرحل بآلية السماح بالرحيل! مرض يتم دراسته الآف السنين ومحاولة إيجاد العلاج المناسب له محاولة إنقاذ المريض منه. كل هذا لا قيمة له ولا وجود له مقابل آلية السماح بالرحيل! اتقى الله يا رجل في أفكارك هذهِ! خذ هذا النص على سبيل المثال - في صفحة ٣٢٤ الفصل العشرون "في عيد شكر إحدى السنوات، كانت هناك فرصة لتجربة التقنية في موقف خطير، فقد سقطت قطعة خشب كبيرة على القدم اليسرى وتسببت في كسر كل العظام الأمامية وبدلًا من الإسراع والذهاب لتجبيرها، تم استخدام تقنية السماح بالرحيل. وبحلول عيد الميلاد، كان من الممكن الوقوف على حلبة الرقص ومن ثم في وقت لاحق، تشافت التواءات شديدة في الكاحل من نفسها في غضون دقائق من تسليم الألم". تخيّل قارئي هذا الشخص المسكين يُعاني من كسر بالعظام يعني إنه لن يمشي ثانيةً على قدمه ثم ببساطه استخدم آلية السماح بالرحيل….. شخصيًا أنا أعاني من حساسية مفرطة اتجاه الأدوية، الأكل، مستحضرات التجميل، منتجات العناية.. وكلما تعالجت من منطقة سواء في الأكل أو البشرة مع مرور الوقت أنسى أنني مُصابة بالحساسية ثم فجأة تظهر لي من العدم فأعيد حساباتي من الأكل الذي تناولته ثم الكريمات أو المستحضرات الذي استخدمتها وابتعد عن الممنوعات. في كل مرة أنسى إنني مصابة بالحساسية لماذا لم أتعالج منها؟ لأني أنساها كم يدّعي الكاتب عندما تنسى المشكلة أو المرض يذهب من تلقاء نفسه! لماذا لم أتعالج منها حتى في وقت نسياني لها؟

ولأن هذا الكتاب خطير جدًا، أتمنى أن لا يقع بالخطأ في يد شخص مُحبط من الحياة ويشعر باليأس. الكاتب يوجّه كلامه بالشعور بالعار والحزن والخوف وإنني ضحيّة هذا العالم القبيح. وهذا بالطبع غير صحيح. فالله سبحانه وتعالى عما يصفون. اعطي لكل شخص الحياة اللي تتناسب مع قدرته. مهما ابتلعت من الدنيا فأنت تستطيع ومخلوق لأجل تحمل هذهِ المسوؤلية لم يظلمك الله ولن يظلمك. لأن الإنسان لا يظلم إلا نفسه وذكر الله سبحانه وتعالى العديد من الآيات بهذا الشأن وأنَّ الله لا يظلم الناس بل كانوا انفسهم يظلمون. الله يُسيرك في حياتك كما يحب أن تكون، ولكن اختياراتك هي التي تجعلك في موقع الخطر إذ لم تدركها. لهذا اقول يارب أن لا يقع هذا الكتاب في أيّ يد شخص يأس من الحياة. معلومات مُظللة، طاقة إيجابية تبعث على الاستهلاك ‏وتفاؤل مُبالغ فيه وأفكار سامة بالفعل! إنني لا احمل أيَّ ضعينة لهذا الكاتب أو هذا الكتاب لكن البيان إيضاح الباطل أرجو عدم اعتماد هذا الكتاب كمصدر موثوق والبحث دائمًا حتى الكتب المطبوعة قد تحمل الخطأ والصواب.

هو لا يتحدث من مبدأ دراسته للفلسفة بل من مبدأ علوم الطاقة والعلوم المزيفة ولكنه يحاول بقدر المستطاع تغليفها بالفلسفة والتجارب السريرية للمرضى. فعلًا علينا أن نتجاوز الآمنا التي تحدث لنا بطرق لا تتطلب مني أن أكون إيجابية أو حتى غير مبالية، بإستطاعتي تغير حياتي بمساعدتي لنفسي من خلال طرق ملموسة تأتي بنتائج فعلًا ليست فقط ادع روحي وأتركها وأتخيّل حياتي بأشياء أمتلكها في مخيّلتي فقط. هو يرغب بنشر أفكاره بتغليفها بالمفاهيم التي يهتم بها. ليسَ كتابي المفضل أبدًا وحتى الأمثلة التي يذكرها كانت تسبب لي الحكة في رأسي، لا أدري من يشارك هذهِ الأمثلة السيئة!

واجهت بعض التناقضات في أفكار هذا الطبيب، في بداية الصفحات كان يتحدث عن لأبد أن تُطلق أيّ شعور تشعر بهِ حزن أو فرح أو سعادة إلخ.. ثم في فصل الحب، قائلًا "من الأفضل ألا تخبر الناس بأنك تحبهم، لأنهم سيشعرون بالخوف ويظنون أنك ترمي إلى شيء أو تريد منهم شيء." ألم تأمرني أن اسمح بالرحيل لأيّ مشاعر حتى ولو كانت مشاعر الحب؟ إذً ماذا سأفعل بكل هذهِ المشاعر إذ أبقيتها دون أخبر الشخص بها؟

هناك أيضًا فكرة متداولة وبغيضة نوعًا ما لأنها تزيد من حجم المشكلة في عقلك وهي استحقاق الاسترخاء بعد جهد كبير في العمل أو في الدراسة. دائمًا يكون هناك الشعور بالذنب يجب أن أقوم بشيئًا آخر. وأنا كذلك حتى في وقت إجازتي التي لأبد أن استرخي بها لأستعد للأسبوع القادم تتزايد مهامي أكثر وأقوم بأشياء لم أدوّنها في جدولي أساسًا فقط لأنني أُردد لأبد أن أفعل شيئًا لا أحب الجلوس دون تحريك يدي. وقد قال هاوكينز عن هذهِ المشكلة هي بالأساس المشاعر المكبوتة والمقموعة بالإضافة إلى العوامل التي تحفز الضغط هي المسؤولة عن أغلب الأمراض النفسية والجيدة. يعني لأبد من تخفيف التوتر والضغط النفسي خصوصًا في فترة الإجازات التي من الواجب أن تلتزم بالراحة فقط. فتراكم المشاعر يؤدي للأمراض النفسية. كما ذكرت في الفقرة السابقة هناك ترابط في الموضوع يعني المشاعر المكبوتة توّلد الضغط النفسي. فكيف أكبّت مشاعر الحب؟

أكثر شيء مزعج فعلًا في هذا الكتاب بعيدًا عن فحواه الأساسي. آه التكرار ممل جدًا. في الصفحة الواحدة تكررت كلمة "السماح بالرحيل" ربما تسع مرات! يعني لا أنكر إنه يحمل بعض الهراء وحتى بعض المواضيع والأفكار كانت حلقة صغيرة وهو يدور بداخلها كثيرًا بالتكرار.

المؤلف ذكي جدًا في تغليف فكرة الطاقة والتنوير تحت دراسات سريرية أجراءها وبشهادة الطب والفلسفة. والغريب في الموضوع أنّ فقط من يرفّع في هذا الكتاب في الوطن العربي لو ذهبت وقرأت تعليقات القرّاء في موقع «GoodReads» لفهمت قصدي. التعليقات ذو اللغة الإنجليزية كانت أجمعها أشبه بالتعليقات السيئة عن الكتاب لكن أن وضعت تصفية وحددت اللغة العربية لوجدت التعليقات بأكملها تمدح في هذا الكتاب! يعني معقولة أن يكون الكتاب الذي خرج من نفس مجتمعه قد فهم فكرة المؤلف ومجتمعنا العربي المثقف لم يفهم فكرته! هذا أكثر ما أغضبني حقًا!

بدايةً واعدة تجذبك. ويشد الكاتب يدك إليه ليعدك بحياة جيدة ورائعة وخالية من السلبية ويعلمك كيف تتعامل مع الأزمات العاطفية. وكيف تتشافي.. يا ربي وأنت ربي، هذهِ أكثر كلمة أكرهها بحق! "عملية التشافي". كلمة مقيته جدًا. وأنا اعلم إنك يا قارئي تفكر معي كيف تعمل "آلية السماح بالرحيل"؟ ماذا يجب أن أفعل بالضبط حتى تعمل هذه الآلية. قارئي أرجوك لا تفكر كثيرًا ولا تجلب النتائج والأسباب فقط أطلق السماح بالرحيل في داخلك! مثل هذا الرجل الذي يعمل ٢٣ عامًا "ذكره المؤلف في صفحة ٢٥٨" في نفس المنصب الوظيفي ثم بدأ في إطلاق السماح بالرحيل الداخلي ثم تخيّل قارئي إنه أصبح نائب الرئيس! هيّا جرب ذلك الآن.. ربما تصبح غدًا كما تحلم…… هذهِ أكبر ملاحظة وأكبر دليل على أن الكتاب بذرته الأساسية "التنمية البشرية وعلوم الطاقة". أشكر القارئ فادي لأنه كتب تعليق وفعلًا شعرت مثلما يشعر.. قائلًا : "حين أرى كلمة (طبيب روحاني) أتحسس مسدسي"، بالفعل هذا حقًا ما شعرت به. عمومًا كل ما وعدني به الكاتب والمقدم كان هراء وكلام فراغ.. وأنا نفس الشخص الذي يقرأ في البداية حتى أنتهى من قراءة الكتاب.

هناك نقطة في بداية الكتاب كانت مهمة جدًا وأساسية بالفعل وهي بعيدة كل البعد عن عالم التنمية البشرية الغريب. كان يتحدث هاوكينز عن القمع والكبت للمشاعر وبالفعل تتراكم هذهِ المشاعر حتى تصل لتأذية الجسد واضطرابات في الدورة الشهرية للنساء. وأيضًا انفعالات مزاجية وتوتر في العضلات. هذهِ حقيقة بالفعل لأن المشاعر هي جزء من الجسد كلما ضاقت كلما زهق الجسد. وهنا أتفق بشدة مع ديفيد. لأن في بعض الأحيان تحدث التراكمات كصداع مستمر أو حتى تعب عام أو ضعف عام. ويكون سببها الرئيسي المشاعر. فلأبد أن تتخلص منها لِتتخلص من الآم الجسدية. ولا أعني بذلك آلية السماح بالرحيل، أقصد أن تتسامح وتعفو وتفوض أمرك كلّه وجلّه لله وحده.

زبدة الكتاب الحقيقة هي بأختصار لا تدع مشاعرك تتراكم في داخلك لمدة طويلة، أترك مشاعرك تغادر جسدك حتى لا تتأثر نفسيًا أو صحيًا. وبالفعل هذه الفكرة صحيحة، لماذا تجعل المشاعر تتراكم في داخلك وتتأثر وتتحبط مهما كانت نوع المشاعر أتركها تذهب بعيدًا عنك لا تتمسك بها. مثلًا لو حدث موقف مع زميلك أو صديقك حاول التصرف بشكل صحيح أمَّ مصارحة الشخص بهذا الموقف أو غفرانه ومسامحته. يعني كأننا نقول أتركها لوجه الله. ولكن الكاتب بالغ كثيرًا في وصف هذهِ الفكرة البسيطة التي ربما في جلسةً واحدة قد تصلها لشريحة كبيرة من الناس. وبهذا يكون الكتاب الأصفر انتهى. بعيدًا عن الحشو وبعيدًا عن الكلام المتكرر.

لا يعرف هاوكينز البساطة في اللغة.

الإسقاط هو سبب كل هجوم وعنف وعدوان وكل شكل من أشكال التدمير الاجتماعي.

ألا يمكننا أن نخدم الآخرين في حياتنا بدافع الحب بدلًا من الخوف من خسارتهم؟

الغضب هو من يقتل الشخص الغاضب وليس ما يسمى "العدو".

الآحمق وماله يفترقان سريعًا.

المحبة وسيلة نضيء من خلالها العالم.

في الحب اللامشروط، نكون قد تخلينا عن كل ما توقعاتنا حول الشخص الآخر بالوعي واللاوعي.

الشخص الذي وجد السلام الداخلي لا يمكن أن يتم تخويفه أو التحكم أو التلاعب بهِ أو حتى برمجته.

الجسم يستجيب لما نؤمن به.

— التقييم النهائي : ٤ من أصل ١٠ 〽️.