بدأ كل شيء من سؤالٍ واحدٍ؛ ما الرواية؟

تقييم ومراجعة كتاب الكِتابة وُقوفًا تأملات في فن الرواية — حَسَن مُطْلَك — إعداد وتقديم: د. محسن الرملي


شكرًا لهذا الإعداد وهذا التقديم، توقعت أن لا يسعني الوقت وآخر اختبار نهائي يطاردني كشبح وأحتاج مذاكرة هذهِ المادة التي كانت مثل شرب الماء في سنوات ماضية والآن مثل الكوابيس تتكرر عليَّ، هل بالغت قليلًا؟ بالطبع، اشتقت لكتابة مراجعة مثيرة لكتاب ثري وعميق وملي بأسرار الأدب خصوصًا الأدبي الروائي، لهذا سأتوقف عن قراءة هذا الكتاب في شهر أبريل حتى أنتهي من آخر اختبار ثم سأكمل قرائته لاحقًا بمزاج أفضل من هذا بالتأكيد.

كل مشكلات حسن بدأت حينما سأل نفسه؛ ما الرواية؟

وبعد التساؤلات المتعددة ستعطيه الإجابات وعيًا إضافيًا في عملية الكتابة وما أن يصل إلى فهم أعمق من ذلك سَتظهر مشكلة متلبسة الأسئلة الأولية نفسها.

عاود السؤال ثانيةً مباشرة ما الأدب؟

وذكر سارتر حينما كتب عن (ما الأدب) وطرح فكرته عن فرنسا فتناسى الجوهر وهو ما الأدب؟

فيعود مُطْلَك ليعبر عن الأدب هو كشف عن طريقة الحقيقة الإنسانية ذات الطبيعة الكاشفة، أي أنه التجأ إلى (المعطيات) مرة أخرى متناسيًا (الجوهر) الذي يجب أن نكشف عنه؛ طبيعة الجوهر، وطبيعة الكشف عن الجوهر.

وكل هذا في سؤال بسيط، ما الأدب؟

ذكر حسن قصة حي بن يقظان -التي لا اعرفها مطلقًا- بأنَّ اللغة هي وظيفة العقل وتجربة هذا الشخصية التي في القصة هي عدم استخدام اللغة ولم يكن يعرف اللغة بمعناها الشامل إلا بعض الأصوات والصرخات التي تعلمها عن طريقة تقليد الحيوانات. ولكن هذهِ القصة تأخذ منحنى أخرى وتبدأ تهرب عن فكرتها الأساسية وهي اللغة في التفكير، فتسقط في مشاكل الميتافيزيقيا وتصير نوعًا من التفلسف فيقول حسن بهذا المنحنى لن يكون الأدب أدبًا على الإطلاق. ولكي يكون الأدب أدبًا عليه أن يسلك الطريق المعاكس للفلسفة لكي يطرح المشكلات الفلسفية نفسها، أعني بشكل حسي عياني، حياتي بشكل أشمل. وأن يدير الأديب ظهره لمشكلات الفيلسوف، من وجه نظر حسن أن الأدب والفلسفة لا تجتمع سويًا في طرح الأدب. ليراها بعين فُتِحت في مؤخرة رأسه، وبصورة حدسية، متجاوزًا بذلك كل أشكال المنطق ومشكلات السبب والنتيجة. الميتافيزيقيا ليست أدبًا على الإطلاق.

أنَّ الكتابة وظيفة إدراكية تصورية بحتة.

يتناول مُطْلَك عدة مواضيع متعددة في كتابة منها فكرة الأدب نفسه والكتابة الإبداعية والرواية والروائي وتصوراته، وحقيقة الميتافيزيقا في الأدب والرواية، يناقش تيار الوعي الذي قد سبق وغامرت بشكل عميق مع فيرجينا وولف في غرفة يعقوب وكانت ثورة تيار الوعي في الأدب — يدخل الكاتب في عدة تأملات مُبهرة يتلهف كل كاتب أو قارئ متذوق للأدب أن يتمتع بهذهِ التأملات. يناقش أيضًا موضع الفلسفة مع الأدب ولاحظتُ هنا كان يقول أن لأبد من فصل الأدب عن الفلسفة لأن قد تناسب الفكرة الرئيسة من الأدب في إطار الفلسفة لكن في نصوص متتالية يقول أن الأدب والفلسفة مترابطان ببعضهما. ولا سيما أن تقع مثل هذه الأخطاء لأنها نصوص غير ناضجة أو مكتملة. نحن نطلع على نصوصها مثل أن نسرق دفتره الشخصي. وبالمناسبة أنا اشعر أن الأدب هو لذة الفلسفة وجزء كبير منها ولأبد أن تندمج مع بعضها لأنهما قد يكونان نفس الهدف في النهاية.

من المضحك فعلًا أن هناك أشخاص سطحيين العقلية بطريقتهم في الاستهزاء في قراء الروايات، بطريقة ساذجة سطحية مملة! وتصنيفها للنساء فقط! لأن المرأة أكثر شاعرية من الرجل! مضحك حقًا بينما مُطْلَك يكشف مدى أكبر وأعمق من سطحية تلك العقول الفارغة! هنا ننظر لما خلف الرواية وعمقها الأدبي اللغوي الفلسفي بأسلوب مُثير شيّق! مع أفكار خلاّبة لا تصمت بجوابًا واحد! وإحدى إجابته عن السؤال الأكثر جدلًا؛ ما هي فوائد الرواية؟ قال مُطْلَك قد لا تكون الفائدة المرجوة كبيرة -هذا إذا افترضنا وجود فوائد- من عمل واحد، ولكننا لو نتصور هذا الكم الهائل والنوع الممتاز المُنتَج طوال تاريخ الرواية، فإنَّ الاستنتاج لابد أن يكون لصالح فن الرواية، أعني: لصالح الإنسان. - إنها تعمل، عبر تراكمها النوعي، على تهذيب الخطايا وإتلاف الشَر، فلم نسمع أو نقرأ عن سلوك سلبي لرجل مدمن على الروايات، حتى أن مجرمي الحرب ليسوا من هذا النوع إطلاقًا، فلو قرأ أحدهم شيئًا عن العذاب الإنساني لغيّر زوايا مدافعه. - إذن، فالناتج الأخلاقي يُشرف تاريخ الرواية كله. ألا يكفي هذا؟ بينما نجد تبريرًا للشر في بعض الفلسفات، وحتى في الأفكار غير المعلنة، بينما من النادر جدًا أن نجد مثل هذهِ التبريرات في العمل الجمالي.

اتمنى أي شخص عقله يدفعه لقول شيء مثل هذا أن يجرب قراءة هذا الكتاب.. ليستنير قليلًا ثم يُدرك قدر أن تقرأ رواية بفلسفتها العظيمة حتى لو كانت خاوية من الفوائد أو حتى الفلسفة.

تحدثت مُطْلَك عن الشخصيات ودورها القائم في الروايات وأفعالها سواء كانت أخلاقية او غير أخلاقية — وذكر كتابة دوستويفسكي وشخصياته وقال عنه إنَّ أوسع مدى لاستعمال الشخصية في الرواية قد تحقق في إبداعات (دوستوفيسكي) الذي أعطانا المعنى الواضح لأهمية هذا الاستعمال، ولعل السر الإبداعي لديه يمكن في إمكانياته الفذة في خلق شخصيات واضحة وشمولية، ويمكننا على هذا الأساس فك المغاليق المستعصية في فهّم دوستوفيسكي، عن طريق هذا المدخل: إنه صانع شخصيات كبير. كذلك لا يمكن أن نعرف معنى شخصياته دون أن نبحث عن محتوياتها (أفكار هذه الشخصيات) التي هي انعكاس لتجارب دوستوفيسكي الفكرية في الوجود، لذا فإذا كان هناك مأخذ ما، يؤخذ على دوستوفيسكي فهو أنه نظر إلى فن الرواية باعتباره فن خلق الشخصية فحسب، وكانت مراعاته للجوانب الفنيّة الأخرى أقل. إنَّ الذين يحبون دوستوفيسكي يحبون أصلًا شخصياته. كان هذا تعقيبًا واضحًا وصريحًا ولاحظت تلك الملاحظة في كثير من مراجعات قرّاءه في التدقيق في بناء شخصياته وأهميتها في دور القصة يعني مثلًا مثل شخصية السيدة العجوز في رواية المقامر، وتجربتي الشخصية كانت حقًا صحيحة مثل ماذكر مُطْلَك في شخصيّات دوستوفيسكي حتى في تعبير القرّاء عبر التواصل الاجتماعي ينحازون عن القصة ويتركون ضجيج الشخصيات صاخبًا. وبالمختصر في نص مُطْلَك أنَّ مجهود دوستوفيسكي تعد فتحًا في فن الرواية، من جهه الاستعمال الأوسع لمفهوم الشخصية. يعني بناء الشخصيات بلغة فلسفية لمفهوم (الأنا) = دوستوفيسكي.

ذكر أيضًا مُطْلَك بأنَّ من يستخدم الضمير المتكلم في صنع رواياته هو (هنري ميلر) وهو يملك شجاعة وتصريح قوي عن سلوكياته الخاصة بكل أشكالها سواء كانت جميلة أو منحطة. وهذا نوع آخر من استخدام الشخصيات أو صنعها.

هل فكرت قارئي من قبل ما الفرق بين قراءة الكاتب وقراءة القارئ؟

سأخبرك كما قرأتها في مذكرة حسن، يقول بأن الكاتب يركز على النص نفسه وبناءه بينما القارئ يركز على الإدراك التصوري للنص — يعني فكرة النص نفسها مثل هذهِ الان التي تخبرك عن نقل فكرة هذا يعتبر قارئ بينما الذي يزعجه تنسيق الكلمات والنصوص وعلامات الترقيم هذا كاتب.

وعيه الكبير في المجال الأدبي مُذهل جدًا وأتمنى أن أصل يومًا ما لهذه النتيجة! أن يكون هناك سببًا دائمًا ونتيجته الأدب.

أفكاره مُبهرة وقيّمة وثرّية بالفعل حتى ولو كانت متكرره أو حتى ناقصة الفكرة — ولكن كان هناك فاصل بين كل نص أو فقرة وقد تجد الفارق بينهما والسبب هو أن الكاتب قد تم اغتياله قبل أن ينتهي من كتابة هذهِ الأفكار وقام أخيه بتجميع كل هذهِ النصوص وترتبيها ونشرها في كتاب — وعلى رغم نقصها إلا أنني تعلمت الكثير من هذا الكتاب واستمتعت بقراءتي البطيئة وترك مساحة كافية لهذهِ المعلومات وبالفعل أنبهرت من قدرة هذا الكاتب وأفكاره الخيّالية الجذابة التي تساعدك في توليد العديد من الأفكار. مُرعبة حقًا خزينة مُطْلَك الفكرية!

كل ما هُوَ واضحًا الان بأنَّ قراءة واحدة حقًا لا تكفي. وتدوينة واحدة أو مراجعة واحدة أيضًا لا تكفي — يستحق هذا الكتاب جلسة نقاش حادّة مع شخص يفكر مثل مُطْلَك، وطالب ينتظر الإجابات بتوق شديد.

حقًا تجربة فريدة ثرّية.

أشجّع كل قارئ مهتم وكل كاتب عطشان على قرائته.

أنَّ اللغة هي وظيفة الفكر.

إنَّ الوظيفة الأساسية للأدب هي أن تجعل الإنسان يتحسس مكانه في الوجود، وتجعله يعي هذا التحسس. إنه وظيفة إدراكية تصورية بحتة، وليست وظيفة حلول مقترَحة، أو كفاح لتطور الذوق، أو لعبة لتطوير الحساسية اللغوية لكي يمكن التعبير عن الحاجات الإنسانية. إنها وبشكل أدق: محاولة لإيجاد منطقة توتر مريح، أو منطقة مريحة للتوتر، معًا، في لجة الأبدية.

إنَّ اللحظات التي تمضي من الحياة دون أن يرصدها الأدب، هي لحظات ميتة.

إنَّ الخطاب الأدبي يُذكرنا بأننا على قيد الحياة.

الأدب في الإنسان، لأجل الإنسان، ومتى ما تَذكر الأديب بأنه أديب سينسى بأنه إنسان، ومتى ما نسي الأديب بأنه أديب سينسى بأنه إنسان، ويتجه نحو أدب مُغلق ميت في النهاية.. بعدما يعتقد بأن الأدوات قد اكتملت، وأن الإبداع قد وصل إلى أقصاه.

أحيانًا تساعد الرقابة كثيرًا في خلق هذا الأسلوب أو ذاك، فعندما نريد أن نقول شيئًا خطيرًا، فإننا نلجأ إلى طريقة لغوية تفوت على الرقابة فهم الموضوع مباشرةً، ولذلك فأنا مدين بالكثير لهذهِ المؤسسة لأنها ساهمت في جوانب مهمة في نهضة الأسلوب.

صار من الصعب أن نعكس العين إلى الداخل ونرى أنفسنا (الجوهر).

إنَّ الاكتشاف الفني لا يعني نقل الموضوع ذاته، وبهذا يختلف عن الاكتشاف العلمي. فعندما يكتشف الكيميائي معدنًا جديدًا، فإنه سيحضره إلى المختبر كما هو، غير أن الموضوع الفني لا يمكن إحضاره، بل أن الفنان سيتحدث عن اكتشاف غائب، عن فعل الاكتشاف نفسه.

لم تكن الرواية قد ادعت في يوم على أنها قادرة على الإجابة عن أسئلة الإنسان.

إنَّ النص قد قدم من الكاتب إلى القارئ مباشرةً، فتصبح لديهما تجربة مشتركة، ثنائية.

تجربة الكتابة بكل أجناسها هي تجربة عزلة، والعزلة هي اكتفاء بمكان واحد، والعزلة تجربة زمن خاص. عمل ضد الديمومة، ضد العصر وخارج الدروب المأهولة، ثم أنها محاولة لخلق عالم شخصي أكثر ألفة داخل العالم العام، لأننا نعتقد أن هذا الداخل ما هو إلا خارج، هناك بالمقابل عملية طرد مركزي بواسطة الأسئلة.

العزلة هي قلب العالم، بالضبط؛ إنها المتاهة التي أنتشر فيها في كل مكان وفي الوقت نفسه، ودون أن أدري أكتشف بأنه قد أصبح بإمكاني مخاطبة العالم عبر شرعية علاقتي به، علاقتي التاريخية إذًا.

إنَّ الكتابة هي وسيلة من وسائل الكشف عن الحقيقة.

— التقييم النهائي : ٩ من أصل ١٠ 🗃️.

تعليقات

المشاركات الشائعة