نظرة ثاقبة من معترض إلى مُحب: رحلة في ١٩٨٤

تقييم ومراجعة رواية ١٩٨٤ للمؤلف البريطاني جورج أورويل عن نشر نيوبوك للنشر والتوزيع — مع الفيلم إصدار ١٩٨٤


من فترة طويلة رغبت بقراءة هذهِ الرواية والمفاجأة حينما شرعت في قراءتها اكتشفت بأنها عالم دستوبي سياسي! وكانت هذهِ رغبتي بعد قراءات شهر مايو الواسعة! أن أدخل رواية تجعلني أشعر بالظلام والزرقة الشديدة! فكانت رواية ١٩٨٤ أمامي تلوح لي بغزل لأقترب إليها.. فأخذتها ولمست الغلاف وقلت لماما ما رأيك بقراءة شهر يونيو؟ فقالت اشرعي في قراءته.. وبدأت بقراءته بالفعل ولم أشعر إلا أنني وقفت أمام الفصل الثالث عشر في جلسةً واحدة — ما الذي جذبني بحق؟

ملاحظة مثيرة 🔥: كتب المؤلف هذهِ الرواية في سنة ١٩٤٨ وعكس تاريخها لتصبح ١٩٨٤.

كان هناك هاجس مزعج في عقلي وأنا اقرأ وأفكر بشدة عن قدرة سوزان في كتابتها لِعالمها السادَّي «ألعاب الجوع» ولأنها اخذت حيز كبير في داخلي ونشأتي تعلقت جدًا بهذا العالم الأسود الحقير الذي يمارس ظلمهُ على أطفال لأرضاء ارضهم السوداء في تحقيق المتعة وسبيل التأكيد من ولاء الأسر. وبعدما قرأت هذهِ الرواية في الفصل الثاني اكتشفت بأنَّ سوزان كانت قد اخذت نصف عالم هذهِ الرواية وقلبتها لمصلحة قصتها الخاصة. وأعتبر هذهِ الحركة ذكاء بالفعل. لأنها استطاعت خلق عالم جديد سياسي مميت من قلب ١٩٨٤ — ولهذا سأقول بأنني احببت فكرة الرواية مبديًا طالما إنها تُصنف بالمدينة الفاسدة، فأرجو أن اخذك معي ولندخل لعالم ١٩٨٤ كمشاهدين لكل ما سيحدث بعباءة سوداء تُغطي اجسادنا.

رواية كلاسيكية دستوبية تختلط بمزيج سياسي يشهده العالم الحالك الان.. من فساد وتدمير وسلطة.

«الحرب سلام — الحرية عبودية — الجهل قوة»

ثلاثة أجزاء مثيرة مُربكةً مُحيرة..

يجب أن تاخذ حذرك! لأن الأخ الأكبر يراك — يمتلئ جسدك خوفًا وتشهد أعين الأخ الأكبر تشاهد كل ما تفعله حتى أفكارك التي تملكها في عقلك قد يسمعها ويعاقبك على التفكير بها!

فيجب عليك أن تخاف من كل شيء وكل تصرفاتك، أفكارك،سلوكك، تعابير وجهك.. لأن هناك من يشاهد ويستطيع تغير أفكارك التي قد تتشكل وتتناسب مع أفكاره وقناعاته وسيطرته على أفراد المجتمع. فأينما وليت وجهك فسيكون التليسكرين أمامك!

في مدينة لندن «أوقيانوسيا» التي تتطور بها «اللغة الحديثة» نرى ربكة بطلنا في توتر حينما قرر كتابة يومياته، لأنه لم يكن راضيًا عن الحال التي تسوده في البلاد ولأنه يعرف الحقيقة لكنه يرتبك أكثر وتتعقد مشاعره، خوفًا من كشف هذهِ الأوراق أو حتى الكشف عن ماذا يُفكر وعن ماذا سيكتب! في كل مكان هناك دائمًا عينان تراقبانك وصوت يحتويك، سواء كنت نائمًا أو يقظًا في عملك أو على مائدة طعامك في البيت أو خارج في الحمام أو في الفراش لا مهرب، لا شيء عدا تلك السنتيمترات المربعة المحدودة داخل جمجمتك. فماذا لو سقطت هذهِ الأوراق في أحد أيدي أفراد الحزب ماذا سيكون مصيره تاليًا بعد هذا الفساد المسيطر والقدرة على التعذيب وإساءة الإنسان؟

.. ثم انفجر غاضبًا بعد أن زاد حنقه من السيطرة الشموليّة فأنفجرت فكرته المؤمن بها ليسطرها على مذكرته بعدما دّون التاريخ الذي لم يتأكد منه حتى بتكرار.. يسقط الأخ الأكبر! يسقط الأخ الأكبر!، يسقط الأخ الأكبر!.. دوّنها أكثر من مره! حتى بلغ الحبر عمق الورق… ليعي ما كتب والسبب في حقدهِ على الأخ الأكبر لأنه يعمل في وزارة الحقيقة وهو يملك المعرفة ويغير في التاريخ حسب ما يتطلب منه ذلك. فتخيّل أن وزارة الحقيقة التي من المفترض أن تنشر الحقائق، كانت أهم شعاراتها من يتحكم في الماضي يمكنه التحكم في المستقبل، ومن يتحكم في الحاضر يمكنه التحكم في الماضي.

تنوير: الحكومة الشموليّة تعني سيطرة الحكومة بشكل مطلق على الشعب حتى أفكارهم وحتى تستطيع تغيير التاريخ أو الحال في البلد وعادةً تكون قناعات خاطئة والتي لا تسير في اتجاه صحيح لسائر البلاد والمواطنين وتعيش هذهِ الحكومة في رفاهية وفخامة على جهد عامة الناس في العمل تنتهك حقوق الإنسان وتنشر الفساد وتقمع المعارضين وتتلاعب بالمعلومات.

يقصد المؤلف فمصطلح "اللغة الحديثة أو بالإنجليزية NewSpeak" هي لغة تم تصميمها من قبل أفراد الحزب للأمة الحاكمة في هدف التحكم والسيطرة على عقول الناس لأن كلما قلّت حجم الكلمات والتعبير قل نطاق الوعي في الناس فتخف كلماتهم وحديثهم مع بعضهم حتى مع الأفراد المتمردين — من خصائص هذهِ اللغة الحديثة هي، مبسطة: تحتوي على عدد كلمات بسيطة مما يجعل التعبير صعب مع الأفكار المقعدة وهذا هدف أفراد الحزب. أن لا يتم التعبير بأفكار الناس بسلاسة. غامضة: الكثير من الكلمات لها معاني متعددة وبهذا المعنى يسهل على الحزب تفسيرها بطرق مختلفة. هي لغة متغيرة: تتغير باستمرار لإزالة الكلمات التي قد تُستخدم للتعبير بالأفكار الغير مرغوب بها من قبل الشعب. يعني تدريجيًا تقل الكلمات والمشاعر والتواصل الاجتماعي.

أكثر فلسفة أحببتها في هذهِ الرواية بأكملها هي فلسفة التفكير المزودج، رغم بساطتها إلا إنها عميقة بشكل رائع حتى ولو كانوا مخترعينها الحزب الحاكم ويمارسونها في وزاراتهم مثلًا وزارة الحقيقة هي التي تنشر الأكاذيب وتُعدل على التاريخ بما يُناسب احتياجاتها وقدر السيطرة على الناس، وزارة الحُب من أسمها قد تفكر إنها تحث على الحب والزواج والإنجاب لكنها في مدينة أوقيانوسيا فيعني إنها تُعاقب كل من يمارس الجنس حتى ولو كان شرعًا أقصد متزوجين يتم عقابهم وتعذيبهم ودخولهم لغرفة ١٠١، وزارة السلام هي نفسها وزارة الحرب، كل ما تفكر بهِ بأسلوب التفكير المزودج أعكس الفكرة نفسها. أمَّ وزارة الوفرة فهي تموت الناس جوعًا لعدم تقديم المساعدات والأطعمة حتى الخبز لا يغني ولا يسمن من جوع، والقهوة يهربونها بينهم خفيّة حتى لا يتمّ اعتقالهم. — بشكل أعمق التفكير المزدوج يعني القدرة على الاحتفاظ بمعتقدين متناقضين في عقل المرء في آن واحد والقبول بكليهما، يعرف المفكر الحزبي إلى اتجاه يجب أن تغير الذاكرة؛ ومن ثمَّ فإنه يعلم أن يتلاعب بالحقيقة: لكنه بممارسة التفكير المزدوج يرضي ذاته بأن الحقيقة لم تنتهك، يجب أن تتم هذهِ العملية في حالة وعي كامل، وإلا فإنها لن تجري بالدقة الكافية، لكنها كذلك يجب أن تجري بلا وعي. في حالات عديدة في حياتنا قد نؤمن بمعتقدين أو فكرتين في وقت واحد بينما هي مُنافية للفكرة الأخرى والان استطيع روية هذهِ الفكرتين التي اؤمن بها رغم معرفتي بكلا الحالتين. فهذهِ فلسفة التفكير المزدوج التي جعلتني أتعمق في التفكير بها وأظن هي السبب الأول التي جذبتني في الرواية بأكملها.

بالطبع إنها دستوبيا «المدينة الفاسدة» مع مزيج درامي مُقلق وعالم سياسي لا يرحم أهدافه سامّة والتلاعب بالناس مثل لوحة الشطرنج، مقابل ولائهم وإجبارهم على الطاعة والمحبة لمالك الحزب، لا يختلف كثيرًا عن ألعاب الجوع لكنني بصدد روية المستقبل في عام ١٩٤٨ كانت هذهِ نظرة الكاتب لأنه اظنه مثل وينستون يملك المعرفة بهذهِ الأمور السياسية والاقتصادية وتحوّل العالم في القرن العشرين. لأن كل الأفكار السياسية تُبنى على تخطيط وأُسس. ومؤخرًا شاهدت سيرة حياته والسبب خلف كتابة هذهِ الرواية كانت الفكرة هي بسبب ترحاله المستمر من مدينة لمدينة وشهد العديد من الحروب، يعني هو تقريبًا شاهد العالم الذي كتبه بالفعل واستلهم منه. 

— تحذير، قد يحتوي هذا الجزء على بعض الحرق من الفيلم 🔥:

صُعقت لأنني وضعت كل أمالي في النسخة المرئية «الفيلم» من هذهِ الرواية، ولكن المفاجأة كانت صادمة بالنسبة لي لأنني توقعت أن أكون أقرب أكثر من القراءة للفيلم لأنها ستظهر جوانب متعددة بصورة مختلفة على عكس مُخيّلة القارئ فقط — لكن لا كان فيلم عاديًا ويشبه الرواية جدًا ولم يكن هناك سياق واضح مثل الرواية اقصد بذلك الرواية كانت دسمة جدًا على عكس الفيلم، وينستون كان يتحدث كثيرًا وفي الفيلم كان صامتًا أغلب وقته، فربما هذهِ من ضمن البناء التصوري يعني المشاهد كفيلة بجعل الشخصية تتحدث عنها في الكتاب مثل ما حصل تمامًا في ألعاب الجوع الجزء الأول تحدثت عن هذهِ النقطة بالضبط. ولكن من سعادة الحظ أنَّ النهاية كانت مُخيفة ولأنها مخيفة تركتني في غيمة هواجس عديدة، ماذا لو فعلًا كانت هذهِ حقيقة؟ وماذا حقًا لو تم تغيير كل ما تفكر به! وتؤمن بفكرة كنت في الماضي ترفضها ولا تستطيع تقبلها لأنك تعلم حقيقة هذهِ الفكرة! فتتحول من عدم الثقة بها إلى التسليم التام لها، ماذا لو تتعايش مع أفكار لا تملكها؟ ماذا لو يُغسل دماغك لأنك فقط تفكر بالطريقة التي تراها مناسبة لك، مبنية على مشاعرك، مبادئك، اعتقاداتك، تكوينك.. النهاية رائعة جدًا لم أتوقع أن تعجبني أبدًا.

لا شيء أصعب من تقبل حاضر مُعقد مع معرّفة حقائق لن تُقدم أي شيء حتى لو تم تداولها في العلن أو الخفى أو حتى في العقل المرء وحده فهو لن يملكها. 

يرى البعض إنها تحفه سياسيّة كلاسيكية ذات نظرة ثاقبة عن الواقع السياسي في المستقبل بالنسبة لزمن كاتبها فقد كانت هناك حقبة زمنية رهيبة بين ما كتب وبين ما كان يعيش به في القرن العشرين ميلادي كما ذكرت سابقًا — بينما وجدتها أنا أنَّ العنصر الذي يضجرني في القراءة هي إنها في كل الصفحات تذكرني بأنها رواية سياسية بحت ولا يوجد تفسير آخر لما قرأت! بقية العناصر لم تساعد فعلًا في بناء رواية مُذهلة لِعالم دستوبي خطير، نتوقع الأحداث ونعيش مع الشخصيات ومحاولة سقوط هذا الحزب الحاكم، ونحاول فهم الماضي حتى ندرك الحاضر. لا، كان جزء منها ممل في بداية القراءة وخلفها مؤامرة كبيرة لانتشار هذهِ الرسائل بلغة أدبية، وأجدها فكرة مملة حقًا رغم تمسكي الشديد في فترة مراهقتي لقصص المؤامرات الأمريكية والسياسية إلا إنني واجهت صعوبة في فهم هذهِ الكلاسيكية البريطانية!

حاولت من اليوم الأول الذي قرأت به الصفحات الأولى ولحظات اليأس تشتعل في خديّ إلى كامل وجهي! مع الصدمة.. فأخذت ابحث كثيرًا عن الكتاب حقائق، مراجعات، نظريات، مؤامرات، سبب منعه من بعض الدول، مراجعات للقراءَّ.. حاولت جاهدة بكل الطرق بَرز هذهِ الرواية كما نشرها العالم! محاولة الوصول للنشوة الإبداعية والاكتشافية التي تصيبك بالانبهار لكنني وجدتها عكس ذلك تمامًا! وبالفعل مهما حاولت تجميّل الرواية بكثرت البحوث وبكثرة القراءات عنها، تكون تجربتك الخاصة فريدة في بناء رأيك الشخصي ومشاعرك الصادقة خلال قراءتها فلا أريد المبالغة وخوض الموّجة في كل قراءة كتاب اشتهر كالنار على علم. ‏فللأسف تجربتي كانت جيدة لكن كانت الترجمة سيئة رغم بساطة ووضح اللغة الأم وملاحظة بسيطة في تصميم الكتاب كان هُناك ضغط شديد في النص الإنجليزي لتسويته مع النص المترجم العربي فكانت الصفحة التي تحوي الترجمة العربية قليلة الجمل بينما الصفحة المقابلة باللغة الأم مزدحمة جدًا لتلك الدرجة التي تجعلك تقرأ السطر الثالث وأنت في السطر الأول. لم يعتري اهتمامًا المصمم للهوامش والمحاذاة، وكانت تجفف عينايّ. — لكن القصة كانت جيدة نوعًا ما لو تجاهلت كل النقاط التي ذكرتها أو برزت خلال تجربتي لوجدت بأنّ القصة متماسكة وتسير في اتجاه واحد لا تنعرج أو تميل وفي الحقيقة كانت مؤلمة حقًا.. لو فكرت فيها لوقت طويل وحوّلت حياتك إلى بعض من جوانب الحياة التي تحيّاها الرواية!

على حالات الوعود وعلى حالة الضجر، في النهاية كان هدف الرواية أن تبني لي شيئًا جديدًا في الكتابة الأدبية وتضيف لي ثقافة جديدة وتساعدني في إثراء الفكر الأدبي، لأنها جعلتني ابحث كثيرًا خلفها وجعلتني ابني الكثير من الأفكار وجعلتني أشك في قراءتي.. وهذا ما يجب أن تفعله الكتب أن لا تجعلك مطمئنًا هادئًا.. يجب أن تغضب وتضجر وتبحث وتقرأ وتتعرف على جوانب أخرى للقراءة والكتابة وتجدد المعرفة والأفكار.. اقولها بصدق أحببت هذهِ الرحلة المُتعبة أحببت ازدواجية مشاعري في هذهِ الرواية على عكس مشاعري في رواية مرتفعات وذرينج!

لكن.. شكرًا فعلًا لهذا العناء والألم الذي تسببت بهِ الرواية والفيلم في حياتي في بداية شهر يونيو ولولاه لم أكن سأتعرف على هذا العالم أو حتى أستطيع الكتابة عنه والبحث بكثره ومحاولة قراءة اراء متعددة. كان هذا الألم كان حقيقي ولولاه لما استطعت ولادة هذهِ التدوينة بالفعل. وكما قال الأستاذ أحمد، إنه الألم المناسب، تحمَّلت رتابة الكلمات، وطولها، والساعات التي قدمتها لها وجلستي معها.

لازالت الحرية عبودية والجهل قوة والحرب هي قلب السلام.

جريمة التفكير لا تفضي إلى الموت، فجريمة التفكير هي الموت.

تأملاته ربما كانت هي مصدر كل سلواه، فعاد للتأمل.

كل ما أنخفض حجم الكلمات كلما ضاق نطاق الوعي.

إنَّ السلطة تمزق العقل البشري ثم تعيد تجميعه مرة أخرى بأشكال جديدة من اختيارك.

الحرب ليس من المفترض أن تربح من المفترض أن تكون مستمرة.

— التقييم النهائي : ٦ من أصل ١٠ 👁️.


— المصادر والمراجع التي ساعدتني في تقديم المراجعة:

  1. ملخص رواية ١٩٨٤ لقناة جيل يقرأ
  2. مراجعة رواية ١٩٨٤ للكاتبة أسماء الفريدي
  3. فيلم ١٩٨٤
 

تعليقات

المشاركات الشائعة