لأول مرة؛ الأدب الياباني ١٩٢٥.

تقييم ومراجعة كتاب راقصة إيزو وقصص أخرى للمؤلفالياباني ياسوناري كاواباتا عن ترجمة ونشر منشورات تكوين


مُبتهجة جدًا لأن هذهِ المرة الأولى التي سأقرأ بها الأدب الياباني، أعتدّت كثيرًا ولمدة طويلة على الأدب العربي، الانجليزي، البريطاني، الفرنسي، الفارسي. لكن الياباني! هذهِ مفاجأة سارّة! وأتمنى فعلًا أن تكون بقدّر ما تصورته في عقلي عن الفنون اليابانية القديمة.

مجموعة قصصية قصيرة عددها خمسة فصول لكل قصة، وبدأت القصة الأولى بعنونة الكتاب راقصة إيزو. تحدث المؤلف عن الاغتراب، السفر، اليابان بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، الثقافة اليابانية والأزياء الشعبية القديمة. جسّد المؤلف أعماله للصراع الياباني بين التقاليد الصارمة وبين توجّهات الحداثة التي اجتاحت المجتمع آنذاك.

خَرَج كل شيء من قماش «الكومينو» الزي التقليدي الياباني ذو الألوان الزاهية، خَرَجت القصة من رقصات صبيّة يابانية، بين القرى والمُدن.. بين الترحّال والترجل

ولأنها خمسة قصص قصيرة تبدأ القصة الأولى بعنونة «راقصة إيزو» تلميذ يسافر حتى يدرس. وكانت تمتلئ هذهِ القصة وتتشبع بلحظات الترحال المستمرة حتى في العائلات الكبيرة التي تضطر للرحيل دائمًا، أيقنت عندهم أنهم كانوا لا يزالون يرون بعين الرضا والتفاؤل إلى حياة الترحال التي يعيشونها، وأن نكهة البلاد التي ينتمون إليها لا تزال تهزّ مشاعرهم، وأنهم كانوا أقلّ تعاسة ممّا تخيّلت في البداية. وأدركت أيضًا أنّ الصلات العاطفية التي كانت تجمع فيما بينهم أقوى بكثير مما لو كانوا أفراد أسرة واحدة. فيشهد هذا التلميذ الرحلات المتعددة ويأخذنا لنتأمل السماء والقمر ونشم رائحة الماء العذب مع الأشجار الخضراء الجميلة. لنعيش معهم لحظات ترحالهم السعيدة التي لا شقاء بها.

٤ من ١٠، رغم إنه جيدة إلا إنني لم أحبذها بسبب تصرفات التلميذ وسلوكياته البذيئة.

هل أصابك مكروه؟ — لا، أجبته بصراحة، إنَّما غادرتُ أحدًا.

ثم القصة الثانية بعنونة «تلاقي» لشخص محارب سابقًا يلتقى بامرأة كانت عشيقته، امرأة كانت من الماضي! آه أن تحيا… حين رآها، تملكت يوزو الدهشة، دهشة خالية، في الأصل، من أية بهجة، من أي ألم. تلك اللحظة لم يحس بها، لا بكونها كائنًا بشريًا، ولا بكونها مجرد شيء: كان ماثلًا أمام ماضيه، أمام ماضٍ له وجه تلك المرأة، حتّى بات في عينيه غير واقعي. غير أنّ الماضي الذي كان يعود على هذهِ الهيئة الملموسة فعلًا لابدّ أن يكون هو الحاضر. أية مفاجأة أن يتراءى لعينه الماضي الذي يلاقي الحاضر! — تنهل الأحاديث بينهما ونشهد تموَّج مشاعرهما وتعقدها، ساعةً في نبرة المرأة وساعةً في قلق الرجل! يثيرها زواجه من امرأة أخرى غيرها، فتسيل عليه الكثير من الاسئلة التي حيرته في الجواب عليها، فيتركها لقلقها المحتم الذي وقع عليها. وتبين في النهاية أنهما بقدر اشتيقاهما لبعضهما البعض يريدون بعضهما فعلًا حتى في اضطراب مشاعرهما وتراكم الخطر في هذهِ العلاقة وحدودها. هذهِ العلاقة القاتلة. أعجبتني فعلًا لأني أحب تعقيد المشاعر واضطراباتها وأحب القراءة عنها. ٨ من ١٠.

أية مفاجأة أن يتراءى لعينه الماضي الذي يلاقي الحاضر!

الماضي والحاضر والمستقبل، سواء للأمة أم للأفراد، مفتتة في حالة من الهذيان الملتبس.

الإنسان لا يكون أقوى ما في استطاعته إلّا في النار.

وتاليًا نهرب من عشق الثنائي المضطرب إلى «مرثاة» ومن العنونة نشفق على بطلة القصة القصيرة، فهي في حالة نفسية مصارعة لذاتها وحبها للرجل المتوفى الذي لم يتزوجها وقرر يتزوج بغيرها، لكننا لا نفهم كيف حدث هذا. ونستقر أخيرًا في دائرة اضطرابها الشديدة، فهي تبحث عن عما يهدئها وتنعش روحها الباهتة بعد فقدان عزيزها، تحاول البحث في الديانات السماوية والبوذية تريد أن تعيش على دراسات علمية عن الروح والنفس والعقل والقلب والشأن الإنساني والروحي حتى لو كانت خزعبلات تضحك المرء العاقل!

هي تريد شيئًا حتى لو كان كاذبًا، أن يطمئنها بأنها ستكون بخير وبأنه صعد للسماء.

مذهلة! رغم بدايتها كانت مستفزّة بعض الشيء لنمط الخزعبلات المتكرر من ناحية الديانة البوذية وهكذا، ولكنني استمتعت بالنهاية وتقلبّها المستمر في ذكرياتها وأسلوبها في تفتيش كل خلية تحمل صورته أو رائحته أو حتى كلماته ورسائله! — ٦ من ١٠ بعيدًا عن البداية.

لا شك أنّ الإصرار على عدم النسيان جميل.

وأنا التي بقيت على قيد الحياة من بعدك أبحث عن عزاء أنتقي منه أسطورة أو أسطورتين. فهل كان اختياري على هذهِ الدرجة من السوء؟

أنا أجهل كلّ شيء عن الحياة فكيف أعلّم شيئًا عن الموت

كُنت، ليلًا نهارًا، يتآكلني الحقد عليك لأنك هجرتني، والغيرة من آياكو لأنها خطفتك مني! وكم مرّة ردّدت لنفسي أنني قد أكون أكثر سعادة لو أنني، مثل الحورية المسكينة أتحوّل إلى وردة صغيرة بدل أن أبقى على حالي: امرأة يائسة.

امرأة، ولدت في هذا العالم مثل قصيدة غنائية مثل دمعة…

أنا مدينة لكآبات الحب الإنساني المبالغ في إنسانيته.

علامة أخرى على حبنا: الثقة.

هل كانت علامات الحب كثيرة بيننا؟ وما بقي لنا هو أن نفترق؟

ثم قبل القصة الأخيرة نلد بحيرة مع بطلة قصة «القمر في المياه» نشفق على حالها الحزين الذي أقحمت نفسها به، فترتبط قصتها مع مرآة عاكسة، وهي ليست مجرد مرآة كما توضحها القصة، هي أعمق من ذلك بكثير، فهي تبرز الصورة الحقيقة لوجه المرء وجسده، كما رأت بطلتنا صورة وجهها: ما هي الحكمة من كون الخالق صنع البشر بطريقة لا يستطيع واحدهم أن يتأمل وجهه الخاص به؟. هي أشبّه بتصور طفيف للنزاعات الذاتية في تقبّل الذات خصوصًا الوجه والملامح، لأنها تظهر بأن النظر إلى المرآة الصغيرة بشكلًا مستمر هي إساءة لا تخلو من أخطار: يعني أنه سينظر إلى نفسه باستمرار مرتاعًا من تفاقم السوء الذي سيعبّر عنه هذا الوجه، أمامه، كما لو في خلوة مع إله الموت.فكرة المرآة رائعة لكنني لم أفهم اضطراب شخصية المرأة. فتركتها لتعيش في حنينها المستمر لزوجها الأول.

٤ من ١٠.

أتودين أن لا أعود أرى شيئًا؟ ما دمت على قيد الحياة أريد أن أقوى على حب ما أرى.

وبعد النزعة الذاتية نتنقل إلى «عاشق الحيوان» صورة واضحة جدًا وصريحة وأخبرنا البطل في بداية القصة بشكل ملخص وسريع، أنه لا يحب البشر وإنه يعطف على الحيوانات، ويرعاهم، ويكره البشر لأنهم يحرصون على أن لا يقطعوا هذهِ الصلات حتى لو كانوا شركاؤهم مجرّدين من أية أهمية؛ لا أحبّ البشر كثيرًا، سرعان ما يشعرونني بالملل. ( لا اختلف معه في هذهِ النقطة). هو يسقط كل اتهاماته وتجاربه الشخصية من خلال تعاملهم مع البشر ويحاول إرضاء وفهم هذا الشعور من خلال تربية الحيوانات خصوصًا العصافير منهم. لا أريد أن أظلم الشخصية لكنني شعرت بالاستنكار الشديد لقراءتي لآخر القصة، لم تعجبني أبدًا وأربكني حقًا اضطراب الشخصية في علاقته مع البشر والحيوانات وارتباط المرأة المفضلة له بالموت! تحتاج تفسيرات عديدة ومختلفة لفهم طبيعة العلاقات مع هذا الرجل المخيف! واستفزني حقًا حينما قارن النساء بالحيوانات في تعاملهم مع أطفالهم؟ إسقاطاته مثيرة للجدل وهذا ما سبب لي الاستنكار.

٤ من ١٠.

في قراءتك لكاواباتا، ستجد هناك سكينة هائلة و رقّة مُذهلة في كتابة هذا الرجل الياباني.. التصّور عجيب، إذ كنت تشاهد مسلسلات أو أفلام الأنمي اليابانية ستستطيع رؤية الأماكن وتشمّ رائحة الشاي وتتخيّل رؤية الكومينو وألوانه الزاهيّة ستستطيع سماع لغتهم وحواراتهم بينهما، ستتذكر حتى تعاملهما مع بعضهما وإحترامهما الشديد لبعضهما البعض. وهذا فعلًا ما ستجده في القصص القصيرة. أغلب مشاعرك ستتجه إلى السكينة.

أحيانًا التوقعات العاليّة مُصيبة قد تهبط بك من مرتفعات خطرة وكأنك تتأخذ خطوة في اختيار اليأس. اخترت في أن أتوقع بشكل ملحوظ وكبير، في هذا الأدب الياباني، لأنه أول قراءة أدبيّة لي، فتوقعت أن اتعلّق بهذا الأدب وأن يكون الأدب المفضل لدي! لكن…

لماذا نندفع بصورة واضحة ومن ثمَّ نشعر باليأس؟

التقييم النهائي الحقيقي هو بعد أن تبتعد عن الكتاب بأيام قليلة. لهذا أحيانًا يتغير رأيي بعدما أدرك مدى تأثيره عليَّ وترك تساؤلات كثيرة مثل بطل الفقراء.. نعم كتبت في آخر الفقرات بأنها مملة ولا مغزى لها، لكن حينما أغلقت الغلاف الخلفي.. وجدت إنها رائعة فعلًا، وأتمنى قراءة المزيد من الأدب الياباني الكلاسيكي خصوصًا إصدارات مكتبة تكوين.

في بداية القراءة قد واجهت بعض المشاكل في الترجمة، وجدتها جيدة لكنني أشعر بأنها بعيدة كل البعد عن النص الأصلي! يعني إنها لم تشوَّه المعنى العام للنص لكن التراكيب اللغوية كانت أكثر صعوبة وتعقيدًا!

بشكل أبسط، الترجمة جيدة لكن المعنى مفقود. هذا ما واجهته في قراءتي.

الأدب الياباني مُدهش وبريء جدًا بعيدًا عن القصة الأخيرة، تلذذت في قراءتي الناضجة، وأدركت إنه من الممتع فعلًا أن تخرج من منطقة راحتك لتجرب تفاصيل جديدة أدبيّة، كانت رحلة ممتعة في اليابان وتقاليدها الشعبية ولم أظن أبدًا بأنني في يوم من الأيام سأقرأ أدب ياباني 👘.

شارك التدوينة مع الأصدقاء لتحدد قراءتك القادمة 📨.

— التقييم النهائي : ٧ من أصل ١٠ 🇯🇵.

تعليقات

المشاركات الشائعة