تحيَّا لوليتا في الحُب الأول.

تقييم ومراجعة كتاب الحُب الأول للمؤلف الروسي إيڤان تورچينيف عن ترجمة: رمسيس يونان وعن نشر أقلام عربية للنشر والتوزيع

صورة سريعة خالية من أيّ إحترافية بسبب التعب 🤧

 مرحبًا، نقرأ للأدب الروسي أخيرًا. لم أتذكر كيف اشتريت هذا الكتاب؟ ولقد وقعت عليه بالتاريخ في سنة ٢٠٢١م مع ذكر اسم المحل، وهو -فيرجين ستور- لكنني لا أذكر أي فرع؟ أو حتى ماذا اشتريت معه؟ … وبالمناسبة ٢٠٢١م، كأنها أحترقت بأكملها في ذاكرتي فأنا أعجز عن ذكر أيّ شيء حدث بها، حتى مشاهدتي لصوري الخاصة ومقاطع الفيديوهات، تمَّر الذكريات كصورة ضبابية. وهي السنة الوحيدة التي لم أعش فيها بشكل حقيقي ملموس.

حَرَق المقدم علينا كل الأحداث في تقديم الرواية، بتعبيره عن الشخصيات الثلاثة المؤثرة في القصة. لم أواجه مشكلة أبدًا حينما أتحدث مع أيّ شخص عن فيلم أو مسلسل ويقوم بِحرق الأحداث لي، حتى -اليوتيوبر- ماهر موصللي يصل جزئيّة الحرق وأنا أتابعه حتى لو إنني اقوم بمتابعة الفيلم نفسه. فعادة حَرق الأحداث لا تهمني، لكنني تحسست بشدة حينما قام المقدم بهذهِ الحركة! لماذا فعل هذا؟ خصوصًا في كتاب، هذا ما أقصده.

نبدأ في مشهد هادئ في جلسة تحيط بثلاثة رجال يسترجعون ذكرياتهم في حُبَّهم الأول -بداية عادّية مع حوارات سطحيّة- فأحيانًا الذكريات المحببة في الصغر تدفئك في حوار بسيط. تحدث الشخصية الأول بمنطلق الحوار، أجاب الثاني قائلًا عن حُبَّهِ الأول بصورة عامة تهتم أن تكون طبيعية، بينما تعود الشخصية الأولى بطرح السؤال ثانيةً على بطل ليلتنا، بطل روايتنا. -فلاديمير- فيضطرب لأنه لا يجيد السرد ويخاف أن يسوء الأمر، فيعطيهم وعدًا بأن يكتب كل ما حدث في حُبَّهِ الأول وأن يقرأوه لهما بحرية تامة بما كتبه.

ومن خلال كتابة تدوينته نتخيّل حياته التي تشتعل في سنة السادسة عشر، فورة الشباب، حينما أستقرت أميرة وأبنتها في منزل جديد أمام منزلهم، شاهد الفتاة الحسناء -زنيدا- في الحديقة وسريعًا ما اشتعلت مشاعره إتجاهها، فقد كانت من النظرة الأولى، أكلت عقله وقلبه تمامًا.

يستعد بطلنا، بالتأهب للحضور إليها بسبب رسالة الأميرة -والدة زنيدا- لوالدته -فلاديمير- فتقول لأبنها أذهب إليهم وأنقل لها رسالتي عوضًا عن كتابتها، فيذهب إليهم أخيرًا وقلبه لا يكاد يصبر قليلًا حتى يراها، يجلس مع والدتها ويصل رسالة والدته لها، فتأتي فتاتنا لتزيد نبض بطلنا أكثر من ذي قبل.

يقترب بطلنا إلى حلمه الذي رأها البارحة، لكننا نتوتر من وطء هذهِ العلاقة، فإلى أين ستنتهي؟ بعدما حَرَق المقدم علينا الأحداث…

من خلال الأحداث الذي نقرأها ونشهدها ندرك إلى أين ستقود هذهِ العلاقة، بدايةً من ترك -فلاديمير- لدراسته وإهماله الكامل عن نفسه مقابل لحظات رومنسية مع -زنيدا-.

تعرفنا وتعمقنا كثيرًا عن بطلنا لكن ماذا بطلتنا؟

.. -زنيدا-

بالمختصر البسيط، هي فتاة لعوب، تحتضن في منزلها الجديد كل أصدقاءها ويلعبون سويًا وجميعهم يراهنون من يكسب قلبها أولًا؟

هي تدرك بحجم أفعالها إتجاه هولاء الشباب. وقد قالت مرة؛ إني لعوب، ولا قلب لي، وممثلة بالطبيعة. — لكن الذي لا يدرك أفعالها هو -فلاديمير-! بطلنا المسكين! الذي رمى مستقبله مقابل الفوز بها، لكن أحلامنا لا تسير كما نشتهي.

لدينا في أرضية الشطرنج ثلاثية شخصيات محورية،

ابنة الأميرة اللعوب  -زنيدا- والفتى العاشق -فلاديمير- ووالده -بيوتر-. وبعض الشباب والرجال من أصدقاء -زنيدا-. 

وهنا يبدأ العد التنازلي، فلاديمير العاشق يبلغ من العمر السادسة عشر ويقع في حُب ذا الوجه الحسن -زنيدا- التي تبلغ عمر الحادية والعشرين عامًا لكننا نجدها لا تهتم به كثيرًا لأنها تكّبَّره وهذا -طبيعي في نظري- لأنه صغير جدًا على أن تتكون لديه مشاعر عاطفية إتجاهه فهو سقط في حبَّها وكأنه رغمًا عنه، فقد أهمل دراسته ولم يعد يكترث إلا برؤيتها. تدخل شخصية أخرى بأكثر جراءة وأكثر رجولة وأكثر صلابة -بيوتر- والد -فلاديمير- رغم إننا لم نتعرف عليه بشكل كبير إلا إننا فهمنا شخصية والده عبر تعبير -فلاديمير- حينما قال؛ وقد كان لأبي سطوة عجيبة عليَّ. وكانت العلاقات بيننا غريبة في مجموعها. فهو قلما كان يهتم بتعليمي، ولكنه في الوقت نفسه لم يكن يقول لي شيئًا قط يجرح شعوري، فقد كان يحترم حريتي، بل كان -إن جاز هذا التعبير- مؤدبًا معي… ولكنه كان لا يقرِّبني قط من نفسه. لقد أحبه، وأعجب به، وكنت أعتبره مثالًا أعلى للرجولة، ولكم كان يمكن أن أعبده لولا شعوري الدائم بأنه كان يتعمد إبقائي على مبعدة منه! ومن خلال هذا النص نفهم جيدًا شخصية الأب.

هناك إسقاطات كثيرة على شخصية ابنة الأميرة -زنيدا- في الرواية بحكم إنها شخصية لعوبة ولا تستطيع أن تحب إلا نفسها وقد وقع -فلاديمير- الفتى ضحيةً بسببها، تذكرني الرواية بقصة -لوليتا- حينما اتفقوا النقَادين على إنها هي فتاة الشيطان وهي التي أغوت -همبرت همبرت- ومن خلال قراءتنا لشرح الأستاذة آذر نفيسي لا نجد ما قالوه النَّقاد لأنهم قد كتبوا ما يود -فلاديمير نابوكوف- أن يوصلونه له القرَّاء والنقَّاد.

نعم -لوليتا- لا تشبه -زنيدا- لكنهن يعيشن تقريبًا نفس الأمر، فهي وقعت في غرام رجلًا كبير، ويتشابهون في صفة إنهن لعوبات، يتلاعبن بالفتيان والرجال مع تأكيد استغلال أيّ شيء منهما حتى لو عاطفيًا، ركزت على شخصية الفتاة أكثر من شخصية الفتى المسكين لأني أسقط اللوم عليه، -زنيدا- هي من تستحق النظر عن قرب في تشابها مع -لوليتا- فهي تحمل سلوكيات غريبة مع دوافع خفيّة ولأبد من سبب لكل تصرفاتها حتى في علاقاتها المشبوهه. رغم إننا لا نتعرف عليها بشكل كبير إلا نشك فيها في وتصرفاتها. تذكرني بصدق بها لأننا لم نكن نسمع -لوليتا- كثيرًا وحتى -زنيدا- لم نسمع منها أيّ تفاصيل عدا الذي ذكرها -فلاديمير- من وجهة نظره الخاصة نفس -همبرت- حينما كان يكتب ذكرياته. تمنيت أن يركز عليها الكاتب أكثر من تركيزه على -فلاديمير- لأنها هي محور هذهِ العلاقات بأكملها.

لم أتعاطف مع -فلاديمير- لأنه ساذج بصراحة، كيف تدفعه مشاعره إلى هذهِ الحالة؟ .. هل فعلًا هناك إنسان قد يترك دراسته وحياته من أجل فتاة؟ من أجل حُب؟ حتى الذي يُحبها لم تعطيه الأهتمام الكافي ليدرك إنها تحبه وترغبه ويكشف الاعيبها ويستمر على حاله! آخ… أود أن اصرخ وأتكلم عن الرواية لكنني لا أستطيع حيلتي القصيرة هي الكتابة. هناك الكثير من الأسئلة عن قصة الفتى لكن، هذا ما يشتهيه الكاتب.

ذكرت في البداية إنها رواية روسية، نعم، لكنها بعيدة كل البعد عن الأدب الروسي، لو كنت معتاد على قراءة الأدب الروسي لفهمت مقصدي، وأظن إنَّ المؤلف كتبها باللغة الفرنسية فأصبحت مدمجة في ثقافتين مختلفتين الروسية والفرنسية. يعني رواية مزدوجة. ولا أخفيّكم الكاتب ماهر فعلًا في ربط الشخصيات سريعًا مع القارئ بجو عام سطحي لا يدخل في العمق. فقد تعرفنا على ما يدخل في منزل الأميرة رغم إننا نأخذ لمحات منهم، تعرفنا على الفتى العاشق وأسرته، منزلين فقط هي ما تدور حوله الرواية. أو القصة. وسريعًا ما تنتهي الأحداث وكأنها بالحقيقة قد كُتبت من -فلاديمير- نفسها على الشخصية نفسها.

ملاحظة بسيطة عن الترجمة، الأسواء من الفتى كانت الترجمة. أحيانًا أجدها سلسلة وواضحة وأحيانًا أجدها كلمات تركب فوق بعضها. ولاحظت هذا الشيء من خلال اقتباسات لنسخ أخرى. 

أن القدر كان يعمل من أجلي حينما كنت أنهك نفسي في تدبير الخطط.

خذ ما تستطيع، ولكن لا تضحِ أبدًا بنفسك. فامتلاك النفس للنفس، ذاك هو قوام الشيء الذي ندعوه الحياة.

هل تعلم ما الشيء الوحيد الذي يزود الإنسان بالحرية؟ ما ذاك؟ الإرادة، إرادته الخاصة ولسوف تزوده أيضًا بالقوة، التي هي خير من الحرية، تعلم أن تعرف ماذا تريد؟ تصبح حرًّا وقادرًا على قيادة الآخرين.

يلذ المرء أن يدرك أنه المصدر الوحيد والسبب المطلق الذي لا ينازع لما يشعر به فرد آخر من سعادة عظيمة أو حزن بالغ.

فليس في وسعها ألا أن تحب.

من أجل هذا نحب الشعر، فهو يتناول أشياء غير حقيقة ويجعلها تبدو ليس فقط أفضل بل أشد حقيقة من الأشياء الحقيقة…

— التقييم النهائي : ٥ من أصل ١٠ ❤️‍🩹.

تعليقات

المشاركات الشائعة