جزيرة خياليّة وحلقة روائيين ✍🏽

تقييم ومراجعة رواية حياة الكاتب السريّة للمؤلف الفرنسي غيوم ميسو عن نشر نوفل 

محاولة وصول بماذا يفكر الكاتب 🧠

بداية نوفمبر الباردة في مدينتي الصاخبة، الرياض. ليل طويل جدًا مع نهار قصير وفترة اختبارات شهرّية. نعود بهدوء لجزيرة فرنسية هادئة نعيش أجواء باردة مع كاتب مشتعل وكاتب آخر معتزل. نسكن في جزيرة -بومون- اعتقادًا مننا إننا سنحظى بإجازة هادئة مع رحلة الكاتب المشتعل -رافاييل-. لكننا سنشهد جريمة قتل، امرأة مقتولة على الشاطئ. يهرب الهدوء وتختبئ السكينة ويقامر الشر على الجزيرة، فما سيكون موضعنا في إجازتنا على الجزيرة؟

«كائنًا من تكون، أنت غير مرحب بك».

هذه اللافتة على منزل "لا كروا دو سود"

الكاتب المعتزل في ذروة نجاحه بعد كتابة ثلاثة كتب، رفض عروض تلفزيونية، رفض المقابلات، رفض الكتابة مجددًا وأخيرًا يوصي قراءه المنتظرين أن يقرأوا لكتُّاب آخرين ويكفوا عن تصدير كتبه للأجيال القادمة.

أمامنا شخصية غريبة جدًا! ومثيرة للاهتمام؟ تذكرني بشخصية في لعبة إثارة ورعب. ولكنني أعجز عن تذكرها الآن… رغم إنني اقرأ عن الكاتب ولهثت على ما أصل لمقابلته إلا انني شعرت بقربه الكافي لي كقارئة، استطعت رؤية ملامحة تظهر شيئًا فشيئًا في صفحات الكتاب مع بطلنا المسكين الذي يحاول الوصول لكاتبه المفضل، لمعرفة الأسباب الحقيقية خلف هجره للكتابة والنشر. ليس فقط هذا الكاتب الصغير المبتدئ بل حتى نحن، نضيّع معه في هذهِ الحلقة، وأصابني الفضول الشديد لمعرفة مشاعره الحقيقة خلف قراره الذي لا أتوقع يجرؤ أيّ كاتب أن يفعله إلا بشرط أن يقبض روحه عزرائيل.

جزيرة هادئة معزولة، متوسّطية مشلولة حركاتها بسبب الحصار، جثّة امرأة مُجمّدة، كاتب مشهور معزول منذ عشرين عامًا في منزله، كاتب صغير يبحث عن الحقيقة، قارئ نهم يبحث عن الحقيقة معهما في فعل القراءة نفسه، وامرأة لا نجدها بعدما غادرت طائرتها من مطار جون كينيدي في مدينة نيويورك.

يقدم لنا -رافاييل- حياة الكاتب السرّية، وهو مشروع حول لغز الكاتب -ناثان فاولز-، ونتّرقب مع هذا الشاب الذي أخيرًا سيكشف لنا أحدًا منهما لغز الكاتب الخفّي، لكننا نجد أنفسنا في دائرة أخرى من الحادثة التي وقعت على الشاطئ، وبدأت الدوريات الشرطية تُعيق سير حياة الناس على الجزيرة، وصحفي يجيد إثارة الجدل بلهيب حار، يسقطه حظّه في هذهِ الجزيرة التي وقعت فيها الجريمة! صحفي مثير للجدل مع جريمة قتل في جزيرة تُقدس الهدوء والخصوصية، فما الأحداث التي ستنتج عنها؟

اعترف بنيّة سليمة، أكره الأدب الحديث بسبب دخول التقنية واستخدامات الإنترنت سواء التواصل الاجتماعي أو حتى محركات البحث، ذكر أسماء الماركات التجارية أمر أيضًا مزعجًا بالنسبة لي! وهذا فعلًا ما يتميز به الأدب الحديث. ذكر غيوم في روايته، عن استخدام تطبيق -تويتر- وعن ذكر بعض الماركات التجارية، ذكرني برواية كل شيء ميت، حينما ذكر جون -الكاتب-، عن ماركات تجارية للسيارات، مثل -دوج- و -لاند كروزر- وغيرها. ولم أذكر هذا الشيء في تدوينة المراجعة لأنني قد تغاضيت عنها، لكنني قرأتها هنا وقررت التعبير عن رأيي بصراحة.

الكتاب رائع مذهل وهناك نقاط متعددة سأكتب عنها لكن المشكلة هي؛ وصلت لصفحة واحد وثمانون وأنا لازلت انتظر الرواية تبدأ! ولا ادري ما المشكلة هنا بالضبط؟

اختلفت كتابة -غيوم- هذهِ المرّة شعرت بأنني اقرأ لكاتب حديث الكتابة، لا أظن إنها كانت جيدة بقدر رواية الصبيّة والليل التي اقتلعتني من جذور أرضي، أشعر بالهدوء الشديد على هذهِ الجزيرة التي تذكرني بالتحفة التركية الجزيرة الأخيرة، رغم صراع الأحداث وصراع الشخصيات وسرّ -ناثان- كان الهدوء يلازم طبيعة هذهِ الرواية ربما بسبب وصف المشاهد الطبيعية مع الأفق والأشجار والرياح زود السرد بواقعيّة هادئة. فلم أشعر مثلما أذكر بشعوري السابق في ديسمبر الماضي حينما قرأت تحفته الأولى، الصبيّة والليل.

ومثلما قلت هذا ما يصفه -غيوم- عن الجزيرة، تقع جزيرة -بومون- على بعد ثلاثة أرباع الساعة بالقارب من شواطئ -الريفييرا-، وهي جزيرة هلالية الشكل، كناية عن قوس دائرة بطول خمسة عشر كيلومترًا وعرض ستّة كيلومترات. لطالما قيل عنها أنّها أشبه بواحة برّية محمية. إحدى لآلئ البحر الأبيض المتوسّط، حيث تتعاقب الخلجان الصغيرة بمياهها الفيروزية، والجُوَن، وغابات الصنوبر، وشواطئ الرمل الناعم. إنّها -الريفييرا- الفرنسية الأزلية، من دون سيّاح، ولا تلوّث، ولا باطون.

قال -رافاييل-؛ كان بإمكاني أن أجسّد بصورة مثالية شخصية الشابّ الساذج والعاطفيّ الذي سيصبح أشدّ صلابة إثر التحرّيات وتطوّراتها المفاجئة. وبالفعل هذا ما حدث لشخصية -رافاييل- في القصة.

أنتهيت من آخر صفحة والحمد لله، وماذا بعد؟ شعرت بمشاعر متناقضة شديدة لأنني كنت قد توقعت تحفة أدبية باردة تُناسب أجواء الرياض في نوفمبر لكنني تفاجأت برواية غريبة جدًا ومقعدة والروائيين متعددين السرد هنا! ساعةً أبقى مع الراوي الأساسي ثم تموّج بي شواطئ الجزيرة إلي راوي آخر! وعندما تدفّقت الحقيقة وجدتني لا أستوعب ما حدث بالفعل ولماذا حدث ذلك! كانت -الحبكة الملتوية- واضحة جدًا ولم تدهشني والأمر الذي أغضبي أكثر من ذلك هو لماذا جعل -غيوم- هذا السبب الغير منطقي لعزلة الكاتب؟ هل لأنني توقعت أكثر من ذلك؟ أو إنني انتظرت شيئًا مهمًا جدًا. سقطت مني معلومة مهمة أساسية قد تخفف عليَّ عبء الصدمة وهي إنَّ الرواية أصلًا رواية بوليسية فمن المتوقع أن يكون السبب ذلك… لازلت لدي رغبة دفينة في معرفة حقيقية اعتزال الكاتب غير الذي كتبها -غيوم- كانت كانت من المفترض أن تكون أفضل من ذلك وأن تتوقف عن أن تجعلني أشعر بالتوتر والتشتت في وقت واحد.

ويالله هذا الكاتب يُحب الكتابة بصوت شخصياته، من ضمن توقعاتي هي إنني خمنّت أن الرواية تتميز بطابع أدبي يحُبه كل الكُتَّاب وهي؛ فعل الكتابة نفسه. وفرحّت بأنني سأضيف شيئًا جديدًا في الكتابة لكنني وجدت نفسي أبحث عن قاتل هذهِ المرأة على الشاطئ يا الله !! يتحدث الكاتب بغضب صارخ عن الناشرون وكيف تعاملهم مع الكُتَّاب وهذهِ حقيقية ١٠٠٪ أتفق معها لكن وقت سردها لم يكن جيدًا أبدًا !! استغفرالله العظيم.

لم أتوقع… ويأست صراحة، أتمنى روايته التي تركن نفسها بين كتب مقروءه أن تكون أفضل من هذه، هذهِ المرة.

للبقاء في قيد الحياة، يجب أن ترويَ القصص.

كُلّما حاولت إخفاء أمر ما، أثرتَ المزيد من الفضول حوله.

لكي نعيش بسعادة، علينا أن نعيش في الخفاء.

الكلّ يريد أن يكون كاتبًا ولم يعد أحد يقرأ.

الفنّ مسيرة طويلة، والحياة قصيرة.

العلاقة الوحيدة المقبولة مع الكاتب هي قراءة أعماله.

تبدو الفروسية حالة مستقرّة مُقارنة بمهنة الكتابة.

لا يُمكن أحدًا أن يعلّمك كيفية الكتابة. هذا أمرٌ عليك أن تتعلّمه بنفسك.

الصحافيون الأسوأ هم الذين يكتبون مراجعة جيّدة عن كتابك من دون أن يفهموا أيّ شيء فيه.

الروائيون هم أكبر كذّابين عرفهم التاريخ، أليس كذلك؟ لا، بل السياسيّون، والمؤرخون، والصحافيون، كان ليس الروائيين.

ما من واقع أكثر رعبًا من أن نحمل في وجداننا قصّةً لم نروها بعد.

أنَّ الورود الفائقة الجمال تعيش وهاجس الذبول يُطاردها. وهذا الخوف يدفعها في بعض الأحيان إلى ارتكاب أفعال يتعذّر إدراكها.

هي التي عرّفته بقوّة القراءة السحرية.

لم يكن من السهل دائمًا الاندماج بأيّ قصّة، ولكن أن نجد الكتاب المناسب، الكتاب الذي أعدّ لنا، الذي نستسيغ تفاصيله، وحواراته، وأفكار شخصياته، فهذا ما يُسمّى عندئذ الهروب اللذيذ من الواقع.

المال خادم جيّد، لكنه سيّد فاسد.

الكاتب لا يعرف أبدًا يوم العطلة. فحياة الكاتب تقتصر إمًا على الكتابة أو على التفكير في الكتابة.

كنت بحاجة إلى وقت طويل لأعترف بأنّه لا علاقة أبدًا لرقّة سماتها برقّة روحها.

جراح الوجود لا تُشفى، ونحن لا نتوقّف أبدًا عن وصفها على أمل أن ننجح في بناء قصّة تُجسّدها بشكل قاطع.

أيّام سعيدة لا نعرف قيمتها إلّا بعد أن تمضي.

أضفي نفحة روائية إلى حياتي، وحياة إلى رواياتي؟ كنت أعشق تلك اللحظات حين يمتزج الخيال بالحياة. كان ذلك أحد أسباب عشقي للقراءة. ليس للهروب من الواقع إلى عالم خيالي. ولكن للعودة إلي عالم حوّلته قراءاتي أكثر غنًى بفضل الرحلات واللقاءات التي أقوم بها في عالم الخيال، وكنت حريصًا على إعادة استثمارها في الواقع. «ما جدوى الكتب إذا لم تُرجعنا إلى الحياة، إذا لم تجعلنا نَعُبّ من مائها بلهفة أشدّ». هنري ميلر. لا شكّ في أنّ لا جدوى منها.

حاول مواجهة الوجود بشجاعة وشرف.

هذا البريق الذي يشعّ من عينيك. رنين ضحكتك المشرقة. التوازن المثالي للحياة.

يصعب قول الحقيقة لأنّ ليس هناك حقيقة واحدة فقط، لأنّها حيّة وبالتالي لها وجه متغيّر.

نحن جميعًا في منطقة رمادية غير واضحة المعالم وغير مستقرّة حيث يمكن دائمًا الإنسان الأفضل أن يفعل الأسوأ.

— التقييم النهائي : ٤ من أصل ١٠ ✍🏽.

تعليقات

المشاركات الشائعة