ما الموت؟

 تقييم ومراجعة كتاب لغز الموت للمؤلف الدكتور، مصطفى محمود.


كما أعتدت على أسلوب الكاتب والطبيب مصطفى محمود، مجموعة مقالات يتم طرحها وتجميعها، يناقش مصطفى فكرة الموت بنفس عنوان الكتاب، وهي لغز الموت.

ما الموت؟

يظهر المقال الأول موضوع الموت من منظور فلسفي وعلمي، ومن خلال السرد تجده يحاول الإجابة عن الأسئلة التي تدور في أذهان البشر عن فكرة الموت وحقيقته والحياة في وجهة الموت، وكيف نصل بشكل أعمق لنكتشف حقيقة الروح والإرادة؟ … تناول أيضًا الكتاب فكرة طبيعة الموت نفسها، الحياة بعد الموت، ومعنى الحياة. يساعدنا المؤلف لنصل لتقدير أكبر عن الحياة ومفهوم أوضح عن الموت حتى أثناء ذكره.

ندخل دهاليز عقل مصطفى محمود وعن منطقية الموت للإنسان ونظرته له! ولكننا نجد إننا فجأة وصلنا إلى إرادة الإنسان وتخبّطنا وضاع مننا العنصر الأساسي وهو؛ الموت. اعتدت كثيرًا على أسلوبه الذي يريك كيف عقله يدور ليجد السؤال نفسه، فبدلًا من أن يطرح الموضوع سريعًا أو السؤال وإجابته، بل يأخذك في رحلة البحث عن حقيقة الإجابة وكيف تصل لها بالفعل، وهذا أسلوب شيّق وممتع بالفعل لأنه سيترك انطباعًا جيدًا عليك في طريقة تفكيرك بعدما تنتهي من قراءة الكتاب.

كيف ينتهي الإنسان؟ … كيف يحدث هذا؟ والإنسان جياش بالرغبة، ممتلىء بالإرادة، بل هو الامتلاء نفسه؟ كيف يتحول الامتلاء إلى فراغ… وفجوة؟ …

هكذا تبدأ المشكلة الأزلية، لغز الموت.

حينما ينام المرء قد يقطع نصف الشوط إلى طريقة للموت. ولهذا دومًا ندعي قبل النوم أن نتسامح من أنفسنا ومن الآخرين، لأننا لا ندري إذ يكتب الله لنا يومًا جديدًا على الأرض أو يومًا جديدًا تحت الأرض. ومساءلة النوم نفسها لغز أكبر من النوم، كيف ينام الإنسان ويغيب عن الوعي بينما جسده بالكامل يعمل وقد شبهه الدكتور، بأنه مثل الشجرة يتحول الإنسان إلى نبات بدائي إلى شيء تستمر فيه الحياة على شكل وظائف دورة الدم تجري، التنفس يتردد، الخلايا تفرز، الأمعاء تهضم. كل هذا يتم بطريقة تلقائية والجسد ممد بلا حراك تمامًا مثل نبات مغروس في الأرض تجرى فيه العصارة وتنمو الخلايا وتتنفس من أكسجين الجو.

رغم نقاط المؤلف الواضحة في بداية النصوص أو المقالات إلا في بعض الأحيان أشعر الضيّاع أو عدم الاندماج بشكل تام مع النص الذي اقرأه، فاضطر إلى قراءة النص أكثر من مرة حتى أستوعبه لكنني أجد إنه لا يرتبط بشكل جيد مع الفكرة، وهذا ما أزعجني صراحة في سيَر قراءتي. كنت أتماسك مع الفكرة لكن سريعًا ما أجدني في عقلي أسرح من تشتت النص.

طريقة عرض أفكار المؤلف حيرتني بعض الشيء تارةً أجدني مستمتعة بالأفكار وتارةً تائهة عن الفكرة نفسها! حتى لو كنت متمسكة بها من البداية. لا أعتقد أنه من الصحيح قراءة مقالات الدكتور بهذهَ الطريقة؛ فهي مشتتة للغاية. المقال الرئيسي الذي يحمل عنوان الكتاب لا يغطي الموضوع بشكل كامل، مما يصعب فهم فكرة الكتاب الأساسية. سيكون من الأفضل قراءة هذه المقالات بشكل منفرد على موقع ما، أو حتى خارج سياق الكتاب، فستكون القراءة أكثر فائدة لو تم تقديم كل مقال بشكل مستقل مع مقدمة واضحة تلخص فكرته الرئيسية. فالمواضيع التي يطرحها متشعبة ومتعددة، حتى لو كانت تشير إلى جزء صغير من العنوان الرئيسي، مما يؤدي إلى لبس الفهم وإدخال المعلومات غير ذات صلة. أو حتى ربما من الأفضل أن يكون هناك مقال مقدمة يوضح فكرة الكتاب بشكل عام، ثم مقالات تفصيلية تغطي جوانب مختلفة من الموضوع، مع الحرص على الربط بينها وبين الفكرة الرئيسية. أو لا يتم كتابة العنوان بالفكرة الرئيسية، يُكتب، الأعمال الكاملة نفس العنوان الثانوي.

كانت الفكرة الرئيسية هي؛ الحرية، الموت والإرادة وذكرني هذا بمقالة رائعة قراءتها في مدونة أحمد حسن مِشرف، وكانت هناك روابط بين فكرة كتاب د. مصطفى محمود والفلاسفة التي تم ذكرها بالمقال، بين مونتين وستيفان زفايغ، حول الموت والحرية والحياة. ووجدت إنهم يتشاركون في طرح الأسئلة الجوهرّية حول الوجود الإنساني، ومحاولة لفهم معنى الحياة والموت والإنسان نفسه.

وكانت الروابط المشتركة: 

الخوف من الموت: يشترك الثلاثة في تناول الخوف من الموت كمشاعر إنسانية طبيعية، وكيفية التعامل مع هذا الخوف.

الحرية الداخلية: يبحث كلّ منهما عن الحرية الداخلية سواء كانت حرية الروح أو الفكر، كوسيلة للتغلب على الخوف واليأس.

قيمة الحياة: يؤكدون على أهمية الاستمتاع بالحياة الحاليّة وتقدير كل لحظة فيها.

دور العقل: يستخدمون العقل كأداة لفهم العالم من حولهم، والبحث عن معنى للحياة.

تأثير الثقافة والمجتمع: يتأثر كل منهم ببيئته الثقافية والمجتمعية، مما يشكل رؤيتهم الخاصة للموت والحياة. لتعميق هذا الربط، يمكن المقارنة بينهم في النقاط التالية:

  • مفهوم الروح: كيف ينظر كل منهم إلى مفهوم الروح، وهل يعتقدون في وجود حياة بعد الموت؟
  • دور الدين: ما هو دور الدين في فهمهم للموت والحياة؟
  • العلاقة بين الجسد والروح: كيف يربطون بين الجسد والروح، وهل يرون أن الروح تستمر بعد موت الجسد؟
  • تأثير الفلسفة الشرقية: هل هناك تأثر بالفلسفة الشرقية في أفكارهم؟

مقارنة محددة بين الكاتب د. مصطفى وبين المذكورين في المقالة

  • مصطفى محمود ومونتين: يشتركان في استخدام أسلوب سلس وواضح لشرح أفكار عميقة، وكلاهما يركز على أهمية الاستمتاع بالحياة الحالية.
  • مونتين وستيفان زفايغ: يتشابهان في اهتمامهما بالتحليل النفسي والبحث عن الذات، وكلاهما يبحثان عن معنى للحياة في ظل وجود الموت. لماذا هذا الربط مهم؟
  • توسيع الآفاق: يساعد الربط بين الفلاسفة المختلفين على توسيع آفاقنا، واكتشاف وجهات نظر جديدة.
  • فهم أعمق: يساعد على فهم أعمق لأفكار كل فيلسوف على حدة، من خلال مقارنتها بأفكار الآخرين.
  • إثراء الحوار: يشجع على الحوار والنقاش حول قضايا جوهرية مثل الموت والحياة.

وعن حرية الإنسان قال د، مصطفى؛ الله لا يأمر الظالم أن يظلم. وإنما هو يعلم أنه سوف يظلم بحكم أنه محيط بكل شيء علمًا. وفارق بين سبق العلم وبين الإكراه. الله أعطانا الحرية وهو يعلم منذ الأزل ماذا سنفعل بهذهِ الحرية. وهو يقول لنا إنه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ويقول لنبيه: لا إكراه في الدين. لأنه لا يتدخل ولا يحب لأحد أن يتدخل بإكراه النفوس على طبائعها لأن ذلك يتنافى مع قدسية الحرية التي أرادها لها. إذن الحرية حقيقية. ولأن هذهِ الحرية هي إرادة الله، فهي جبر واختيار في ذات الوقت. وإنما تكون الرحمة الإلهية بأن تجد النفس تيسيرات من جنس طبعها، «كل إنسان ميسر لما خلق له». ولهذا لا يتنافى التدخل الإلهي مع الحرية بل يؤكدها.

ختامًا: إن الربط بين أفكار الفلاسفة المختلفين هو عملية غنية ومثمرة، وتساعدنا على فهم أنفسنا والعالم من حولنا بشكل أفضل. وتمنيت لو كان تركيز الكتاب بشكل أكبر على هذهِ النقاط التي ذكرتها، على عكس ما ذكره في المواضيع المتشعبة التي لم تؤثر في الفكرة نفسها كما قلت في الفقرة السابقة، ولكن بشكل عام استمتعت برحلة خفيفة والكتاب القادم الآخير لقراءات شهر نوفمبر سيكون أيضًا كتاب للدكتور مصطفى محمود، وهو حوار مع صديقي الملحد وأتمنى أن يشمل موضوعًا واحدًا كما عنوانه يارب.

نحن نعيش في مأساتنا الشخصية .. ونرى الموت كفجوة تفغر فاها تحت أقدامنا، فنتشبث بأي شيء نجده حولنا.. ونتشبت بأمهاتنا وبزوجاتنا .. بأطفالنا .. بأصدقائنا. نشعر بالحب والشوق والحنين إلى يد نمسك بها ونتشبث بها ونحتمى من الجرف الذي ينهار تحتنا.

إنَّ الحب كله قصة جميلة .. مؤلفها هو الموت نفسه وليس الحب فقط، بل كل العواطف والنزوات والمخاوف والآمال وشطحات الخيال والفكر والفن الخلاَّق، كل هذهِ القيم العظيمة تدين للموت بوجودها.

أنا من الخارج لي حدود، لي سقف، ينتهي عنده جسدي، ولكنني من الداخل بلا سقف ولا قاع.

حريتي تعذبني، لأني حينما أختار، أتقيَّد باختياري، وتتحول حريتي إلى عبودية ومسؤولية، وهي مسؤولية لا ينفع فيها إعفاء لأنها مسؤولية أمام نفسي، أمام الاختيار الذي أخترته أنا.

إنَّ الله يضع كل جنده على باب ذاتنا كما يقول طاغور. ولا يسمح لأحد منا بالدخول فيها، لأنها حرم. حرمها على الكل وخلقها حرة كالطائر الغرد.

إنَّ الزمن ليس شيئًا منعزلًا عنا مثل الشجرة والمحبرة والكتاب.. ليس زمبلكًا تحتويه ساعة اليد، ولكنه شيء يلابسنا. لكل منا زمن خاص به. عواطفنا واهتماماتنا هي الساعة الحقيقية التي تضبط الزمن وتطيله أو تقصره، أفراحنا تجعل ساعاتنا لحظات، وآلامنا تجعل لحظاتنا طويلة مريرة ثقيلة مثل السنين وأطول، إحساسنا بالسرعة والبطء ليس مصدره ساعة الحائط ولكن مصدره الحقيقي الشعور في داخلنا.

الشيء الوحيد الذي يستطيع أن يحل محل الحب هو الفن. لأنه ينفذ إلى القلب مثله، ويكشف مثله عن ذاتنا العميقة.. ويوصلنا إلى اللحظات الأبدية المليئة، ويطلعنا على كنوزنا وأسرارنا، وما يبدعه الإنسان من فنون خالدة يدل على أنه يحتوي على بذرة الخلود في داخله.

القشة في البحر يحركها التيار والغصن على الشجرة تحركه الريح والإنسان وحده… هو الذي تحركه إرادته.

إنَّ مجرد إرادته سبب.. في غير حاجة إلى سبب.

إنَّ الفرق بين العبودية والحرية هو خيط رفيع.. خيط رفيع يرقص عليه الإنسان ويتأرجح.

الإنسان مخيَّر فيما يعلم، مسيًّر فيما لا يعلم.

أنَّ الإنسان لديه وسائل أكثر يتصرف بها ويحتال بها على بلوغ أهدافه.

إنَّ ما يقع في نطاق إدراكنا الحسي ليس هو كل شيء.


هل الخوف من الموت جزء من طبيعتنا البشرية، أم أنه انعكاس لعدم فهمنا للحياة؟


— التقييم النهائي: ٥ من أصل ١٠ 🪦.


تعليقات

المشاركات الشائعة