قطعة إيرلندية إبداعية.

 تقييم ومراجعة كتاب السر المكنون للمؤلف سبستيان باري ترجمة د. طيبة صادق عن نشر المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب

توقفت ثلاثة مرات في قراءة هذهِ الرواية. وكلما توقفت عن قراءة أيّ كتاب أدرك حين ذلك إنها قطعة فنيّة ستأخذني إجبارًا لِعالمها الخاص، وترمي عالمي الواقعي خارج الغلاف. وتطلب مني أوراقًا للبحث والدراسة وكلمات كثيرة أكتبها وخطوط بالقلم الرصاص تحت أيّ كلمة رائعة أو قلم التحديد يشبع الورقة لونًا من شدة ضغطي على الورق بالتحديد. إذ أحضرت أوراق كثيرة وأخرجت بين ضيق الدفاتر الصغيرة دفتر وحيد. أدرك حينها إنني وقعت على ألماسة فنيّة أدبيّة. سترويني بعد لهيب حر الصهريج. فهذِه القطعة الإيرلندية كانت باردة وممتعة ومؤلمة رغم جودتها الأدبية العالية.

فتاة صغيرة في مدينة سيلغو الباردة التي من برودتها كانت تقف الجبال منأي عنها. تتعلق روزان "الفتاة" بوالدها وبرائحة التراب على ثيابه وإبتسامته على وجههِ وفي صوتهِ، والدها يحفر الأرض ليضع جثةً لا روح لها، أمام كنيسةً يتعبدون بها لا يخاف الليل ولا يخاف الحُفر التي يأخذ منها التراب من بطنها. كانت ترافق والدها دومًا، تسمع حديثه تراه أمامها تسمع كلماته مع والدتها. كانت نَطفتهُ المحببة إليه، ينسى كل من حوله أمامها. كان رجلًا منظمًا كسجل الحسابات. تذهب معه ليثبت لها نظرية سقوط الأشياء. «نظرت إلى الأعلى بأمانة، بأمانة ومودة ومحبة. ليست بجريمة أن تحب أباك، ولا بأس أن لا تجد فيه شيئًا تنتقده، خاصة في المرحلة العمرية من بدايات أنوثتي، عندما يخيب ظن الطفلة في أبويها. وليست جريمة عندما يخفق قلب الطفلة لدى رؤية ابيها، أو رؤية قدر ما تستطيع منه كرؤية ذراعه في الهواء الأيرلندي. كان يناديني وأنا بالكاد أسمع كلماته، ولكن بعد عدة مرات من تكرار الكلمات سمعته يقول: "هل ابتعدت يا عزيزتي؟" أجبته بأعلى صوتي إلى حد الصراخ، فالمكان بعيد والنافذة صغيرة جدًا ليصل إلى أذنه صوتي: "أنا أقف بعيدة يا أبي" فصرخ: "سأرمي الكيس، انتبهي، انتبهي!" — "نعم يا أبتاه، أنا منتبهة؟"». إلا يكفي هذا النص بدلال حُبّ روزان لأبيها بقوةً لا تعادل أي شيء آخر في حياتها.

لكننا قد ننزاح عن شخصيتها المهمة في سياق القصة إلا إننا نتعرف عليها بعمق في نصوص الكاتب الإبداعية في وصف شخصيته الرئيسية من خلال هذا الاقتباس. «أنا وحيدة هنا تمامًا، ولا أحد في العالم يعرفني خارج هذا المكان، كل أقاربي، والأشياء القليلة التي كانوا يمتلكونها، ووالدتي التي تشبه عصفورة صغيرة، كلهم رحلوا. ورحل كذلك كل الذين اضطهدوني، والسبب أنني أصبحت عجوزًا تناهز المئة عام على ما أعتقد، لست أدري تمامًا، ولا أحد يدري عن عمري أيضًا. أنا بقايا شيء مهمل، أطلال امرأة، أنا لا أبدو كإنسان، بل بقايا من الجلد والعظام في تنورة قاتمة اللون وبلوزة، وسترة من الكتان، أجلس في ركني مثل طائر حناءٍ لا يقوى على الغناء، لا بل كفأرٍ مات تحت الموقد حين كان الموقد دافئًا يومًا ما، ويستلقي الآن مثل مومياء في الأهرامات». كان هذا الوصف إبداعيًا سرديًا لذيذًا، لا أتخيّل نفسي أبدًا كما وصفت روزان نفسها في سطر واحد في صفحة واحدة.

روزان الطفلة. المُتعلقة بأبيها جدًا، ذات الشعر الناعم الذهبي كالذي لدى الرهبان، أصفر مثل الوميض في الكتب القديمة. تكتب مذكراتها وقصصها مع والدها العزيز على قلبها الرقيق. في مستشفى الأمراض العقلية. تذوب رقةً من وصِفها لأبيها. بصوته العذب الذي يقع على أذنيها شهيًا كطعم العسل. يقع في رأسها بقوة ويبعد عنها كل مخاوف الطفولة. والدها مشرف القبور، تقع عيناه عليها ويلهو ويلعب معها كان يلفت النظر بحركاتهِ مع طفلته، التي لا تُناسب وقار مشرف القبور. لكنه حنون وعفوي ويشعر بالبهجة كلما كان في حضرة طفل، يغمره السرور. على الرغم من أنه حارسًا للمقبرة إلا أنه كانت منتظمًا. والدها العزيز، ذو الصوت الشجي. حفَّار القبور مجانًا أحيانًا. والذي غالبًا يُحضر من العمل في بعض المقابر بسبب ديانته، لأنه يعتنق البروتستانتيّة. ولأنه محبوب عمل في بعض منها بعد مشاحنات وَلّدت علاقة صداقة تاليًا.

الوضع العميق والارتباط الفلسفي مع صيد سمك السلمون! مُبدع فعلًا هذا المؤلف في كتابة شخصية روزان المثيرة التي مثلت دورها بأنها بلغت من الكبر عتيًا فلا تتذكر متى حضرت في مستشفى الأمراض العقلية. ربطت هذا الحدث بزوجها «توم صياد سمك السلمون فقط. والمقصد بذلك إنها قالت: توم لا يصتاد إلا سمك السلمون لأنه يرأها في المياة الداكنة ويعود للمنزل. فلا يستعجل في صيدها لهذا لا يصيد إلا هذا النوع من السمك». إنها قصة مثيرة حقًا وجيدة في ارتباطاتها مع حديث طبيبها غرين حينما قام بأستوجابها في اليوم الذي أتت بهِ في هذا المستشفى، وأظن سبب محاولة إنكارها لهذا اليوم، لأنها لا تُريد أن تُغادر هذا المكان. فهو مريح لها وكما قال الطبيب غرين بوصفهِ للمرضى «كيف لأولئك المرضى أن يخرجوا من هذا المكان وقد اختلطت جيناتهم الوراثية مع إسمنت ذلك المبنى فأصبحوا جزءًا لا يجتزأ منه؟».

قدم لنا سبستيان مذكرات لمرأة كبيرة في السن من فترة طفولتها مع والديها إلى أن انتهى بها في مستشفى الأمراض العقلية وتم وصفها بمرض الذهان رغم إنها لا تُعاني منه. تنقل هذهِ المذكرات من الماضي في عقل روزان وتتأثر احداثها في الحاضر. وترتبط مع تكوين الحب والخسارة وفقدان الوالدين والضعف والطفولة وفقد الوطن، إيرلندا. عاصرت روزان مستشفى الأمراض العقلية، ويحاول الطبيب استجوابها عن فترة بقائها لكنها تراوغ في كشف الحقيقة. وتكشفها لنا من خلال سردها الخاص كما قالت في بداية الفصل الأول "شهادة روزان عن نفسها" من خلال هذا الاقتباس «أكتب قصة حياتي على تلك الأوراق الفائضة. أبتدئ بورقة نظيفة؛ استخدمت أوراقًا نظيفة لأني أردتُ أن أترك سجلًا عن تاريخي بكل أمانة ودقة، وإن منحني الله القوة فسأظل أسرد تلك القصة ثم أدفنها في الخزانة الأرضية، وبعد هذا أستريح بسعادة تحت سقف روسكومن، حيث مخبئي».

على الرغم إن الرواية رائعة قصةً وسرد وشخصيات وبدايتها قوية، واجهت صعوبة في إكمالها للمرة الثانية ! فقد توقفت في الوقت التي اشتريتها فيه ثم قرأتها ثانيةً مع مجموعة سلسلة ألعاب الجوع، ثم توقفت. وجدت ثغرة وهي في المنتصف مُللة جدًا وتبدأ ثرثرة كثيرة لا تُقدم ولا تأخر في السرد. فقد حشو في الصفحات حتى تتجاوز الثلاثة مئة صفحة هذا ماشعرت به حقًا لأنني مللت فجأة بعد تجاوز الفصل الثالث عشر. وشككت بنفسي لأنني توقفت أمام الفصل الذي توقفت بهِ في العام الماضي. وهذا مثير للدهشة وإذا دَّل على شيء فهو أن رتم الرواية هنا أصبح بطيء.

صحيح إنها مذكرات كتبتها الشخصية الرئيسية لكن لا أنكر إنها كانت ممتعة من وصِفها الخاص، ورؤيتها للأمور في مشاعرها، مثلما انطلقت لمساعدة المرأة في محاولة إيجاد طفلتها الصغيرة قائلة: «ركضت فوق الكثبان ومشيت في الطريق العلوي القديم وبينها مثلما كنت أفعل ذلك مراتٍ عديدة عندما كنت مع أبي». إنها تشعرني في كل لحظة إنها حقًا تفتقد أبيها وتحنُ إليه كثيرًا. يحزنها حجم شعور والدتها في فقدان أبيها ومحاولة مواساتها. تنقل لنا شعور آخر بعدما وجدت الطفلة قائلة في الاقتباس التالي: «كم تمنيت لو أمي تسعى إلى البحث عني بهذا الإخلاص الشديد، تنضح بالعرق بحثًا عني لتجدني مرة أخرى على الساحل الآخر من العالم، لتنقذني، لتوظف الآخرين لينقذوني، لتقربني إلى ثديها، مثل ما تلك الأم التي أراها عن بعد التي بلا منازع تتوق شوقًا لأن تفعل هذا الشيء مع تلك المخلوقة المبتهجة بين ذراعَيّ». نَلتمس فقدان روزان الشديد لوالديها حتى في وجود أمها لكنها تعاني من حضور الوعي، فتعيش في حزن ووحدة وحنين في قلبها، أي موقفًا يمرّ يرتبك في ذهنها مع ذكريات والديها شوقًا. وهذا ما يجعل الرواية حزينة ومُشبعة بالفقد، وهذا الشعور مثير في السرد خصوصًا إننا قد عشنا بعض اللحظات الصعبة والمبتهجة مع والديها. وذكرياتها كانت بمثابة نشوات رائعة تمرُ عليها كما قالت في الاقتباس التالي: «والدي قد رحل ولكنني استطعت أن أستجمع هذهِ الأسرار تحت طيات شعري لكي أنام عليها كما هي. لم أستطع أن أجافي السعادة التي كنت أصحو عليها».

بعد غمرة الطفولة مع والدها، يتوفى وتبقى مع والدتها لكن والدتها تبدأ تتلاشى من محيط روزان بشكل مرعب، قالت في تعبيرها عن فقد أبيها «كم أود التعبير عن حبي الشديد لأبي لدرجة أني لم أكن أستطيع العيش من دونه، لكن هذا الاعتراف سيثبت أنه زيفٌ مع مرور الموقت. أولئك الذي نحبهم، والذين هم أساس وجودنا قد اختطفوا عن وجودنا بإرادة من العلي القدير أو انتزعهم الأشرار منا. كان هذا الفقد مثل كتلة ضخمة من الرصاص قد جثمت على كياني الذي كان قبل هذا مثل ريشة خفيفة. الآن هو تدميرٌ متخفٍّ يثقل كاهلنا». نشهد مشاهد تعرفها على اصدقاء جدد وانخراطها في عالم جديد، وظيفة جديدة، عمر جديد، لكنها لا تجد والدتها: «إنني أبحث عن أمي في هذهِ الذكريات، ولكنني لا أجدها. إنها ببساطة قد اختفت».

الطفولة ثم المراهقة ثم الشباب ثم الحب والزواج. مراحل نمو الأنسان العقلية والجسدية الطبيعة والنفسية شهدنها مع روزان في سرد كامل. ندخل في مرحلة الحُب والزواج في حياتها وهي حياة الشباب. لكنها تعترف في مذكراتها عن شخصية زوجها توم الزوج المُحب الصادق الذي لم يكن رومنسيًا البتة. بقولها: «الرجال ليسوا إنسانيّين على الإطلاق، كلا، أنا أقصد أن لديهم أولويات مختلفة. ضع في اعتبارك، أنني حتى لا أعرف ماهية أولويات المرأة، على الأقل، أعرف ماهي الأولويات ولكنني لم أشعر بها أبدًا، كانت لدي رغبة جامحة لتوم. لكل كيانه. لا أدري. كان يجعلني أشعر بالدوار باستمرار. هناك بعض الأمور التي لا يمكنك أن تشبع منها. يمكنك أن تكتفي من الشوكولاته. لكن بعض الأشياء. أحببت صحبته، في جميع مظاهرها. أحببت شرب الشاي معه. أحببت تقبيل أذنيه. ربما لم أكن أبدًا امرأة سوية. إلهي اغفر لي. ربما كان الخطأ الأكبر الذي ارتكبته هو أنني كُنتُ دائمًا أشعر بالسواسية معه. شعرت أنهُ هو وأنا، مثل بوني وكلايد، اللذين كانا في ذلك الوقت في أمريكا يبحثان عن قلت الناس، معبرين عن حبهما بطرق غريبة». رغم الكاتب رجل إلا ابدع في وصف مشاعر المرأة عن الرجل! وعن صدق مشاعر شخصيتها وإحساسها في علاقتها مع زوجها وهذا مثير للاهتمام فعلًا. في عمق وصفهِ لمشاعر روزان وكأنَّ التي تكتب هذهِ المشاعر الصادقة النابعة هي بالفعل امرأة خلف هذهِ الشخصية وتكتب مشاعرها التي عاشت بالفعل! ابدع حقًا سبستيان في صنع هذهِ الشخصية النسائية.

صعوبة إدراك المرء لصدمة عاشها طويلًا مع شخص أحبّه حبًا جمًا ولكنه يدرك بعدها أن شهوته وعاطفته هي من دفعت به للهاوية. أخبر القديس غانت أنّ شهوتها في توم كانت هي السبب في سقوطها قائلًا برفع الأوراق: «الشهوة هي بالطبع معناها جنون. قد يكون بلاء، ولكن في الدرجة الأولى هو جنون، جذوره ربما يكون مصدرها الجسد». تحاول روزان جاهدة فهم تلك الكلمات التي تخرج من فم الأب، صمتت بينما الأب يكمل حديثه، «زواجك يعتبر باطلًا، يا روزان». لم تكن زوجة ولن تكن مُطلقة، فما هي إلا زانية في الديانة الكاثوليكية في مدينة روما مع شاب متزوج. كيف لها أن تتجرّع كل هذا المرّ الان؟. ثم ببساطة يسقط تهمة قوية يرجف لها الجسد. مُتهم عقلها بالجنون قائلًا: «أنها وراثية. الجنون، يا روزان، لديه العديد من الزهور، تنبثق من نفس الساق. قد يتم عرض أزهار الجنون المتفتحة، من نفس الجذر، ربما بشكل متنوع. في حالة والدتك، الانطواء الشديد على نفسها، في حالتك، شبق خبيث ومزمن». يا له من اتهام شديد. وبدأت بالصراخ عليه لتبرير ما قاله سريعًا ! لكنه يتركها ويغادر ويقذف بالكلمات التي تؤذيها أكثر مما قاله. ولأنها كذبة. ولأن الأب غانت لا يُصدق فقد كان هدفه الساميّ "بأعتقاده" هو فقط تعزيز الحياة الجنسية للذكور وإقحام شهوة المرأة. لأنه ببساطة عدو وكارهه للنشاط الجنسي للمرأة بفكره الديني الذي ينتمي إلى الفساد المطلق. وحللّ هذا الأمر هو الطبيب المُرهق غرين. والأمر الحقيقي في إتهامه لروزان وتدخله في شؤونها الخاصة في علاقاتها الجنسية كان يقتصر فقط في إعتناقها للديانة أو الطائفة التي يعتنقها هو. كانت هذهِ الفكرة التي سببت تشوّه حقيقي في عقلهِ عنها. فتتدخل في شأن الجنس الخاص بها. «إنَّ غضبه من أنها لم تسمح لنفسها بأن تصبح كاثوليكية بناءًا على طلبهِ هو غضب مطلق، قبل أن تتزوج زوجها الكاثوليكي بوقت طويل، وبقيت هي علو ما كانت عليه. هذا في حد ذاته بالنسبة للأب غانت هو تشوّه حقيقي».

لحظة ‏الألم الحقيقية حينما أدركت روزان وشرحت من جديد للمرة المليون في ستين عامًا وأكثر.. حقيقة إنها «أنني لستُ السيدة ماكنلتي. لم أكن أحدًا، لم أكن في الحقيقة زوجة أي شخص. كنت فقط روزان كلير». تخيّل أن تعيش هذهِ الصورة لمدة طويلة ثم تكتشف بعد ذلك أنك لم تكن زوج لأيّ شخص. ثم تتخبط حالتك الذهنية في الإعجاز عن تصديق هذهِ المُصيبة. فتحاول مرارًا شرحها حتى تُصدقها. ويدركها العقل معك.

يأس روزان في رؤية مظهرها ونقدها لما تُشاهد بعينين يملأها اليأس والحزن والإحباط.. مع الإشاعات المتداولة في مدينتها الحبيبة سيلغو، إلى ماذا وصل هذا المظهر مع إنسان جديد ينمو في داخل بطنها «عندما نظرتُ إلى نفسي في مرآة خزانة الملابس، رأيت شبح امرأة يكسوها البياض ذات وجه طويل بشكل غريب، كما لو أن ثقل بطني كان يسحبني في كل مكان، مثل تمثال يذوب. ثم برزت السرّة من بطني للخارج مثل أنف صغير ويبدو أن الشعر الموجود أسفل بطني قد نما إلى ضعف طوله». تخافُ كثيرًا على هذا الطفل لأنها كانت بإمكانها أحيانًا أن ترى مرفقيه وركبتيه الصغيرين يبرزان تحت جلدها. وهي لا تعرف عدد الأشهر وتقلق من بدأ المخاض قبل معرفة موعده. إنها تعيش الكابوس لوحدها مع كائن صغير في رحمها.

آخ مشهد ولادتها، والله أعجز عن وصفهِ بالفعل! كان مشهد رائعًا متكاملًا مُذهلًا.. شعرت بالعاصفة ولمست الدم وتألم ظهري وشعرت بالوحدة. كل هذهِ المشاعر غير كافية في وصف مشهد ولادة روزان. لا بل الكلمات والحروف بأكملها لا تستطيع الاستجابة. «سقط دمي على نبات الخلنج الناقع وصرخت أنادي ليساعدني الله، أنا مخلوقه المجاهد. صرخ صوت دمي. لا لا، كان ذلك مجرد جنون، جنون. بين ساقيَّ كان هناك جمر فقط، حلقة من الفحم تحترق بلون أحمر لا يمكن أن يعيش أيَّ شيء يمر عبره. في أثناء تلك الثانية من الجنون، ظهرت قمة رأس صغير، وفي ثانية أخرى كتف ملطخ بالجلد والدم». إنني ارى هذا المشهد أمام عينيّ وأرجف من شعوري بألمها. باري لم يجعل كلماتي تخرج بإرتياح، الإرتباك هو ما اشعر بهِ الان في كتابة هذا المشهد فقط.

كان والدي يقول: إنَّ العالم يبدأ من جديد مع كل ولادة، لكنه نسي أن يقول إنَّ الحياة تنتهي مع كل موت، ربما لا حاجة له لقول هذا، لأنه ظل يقضي حياته في المقبرة حيث يعمل.

أنَّ الإنسان يستطيع أن يتمسك بجدار من الطوب الوهمي لمحاربة الرعب ومكائد الزمن الخبيثة التي تهاجمنا، ثم يبدأ بعد ذلك في تشكيل ذاته.

أنَّ كل ما يتعلق بالأمور الإنسانية ضيقٌ وضئيل.

لو كنا مخلوقاتٍ أخرى غير البشر، لكنا سعداء في حياتنا على الدوام.

الرجل الذي يواجه الكوارث التي تصيبه بمرحٍ، وهي تصيب الكثيرين بلا رحمة أو محاباة، هو بطلٌ حقيقي.

ربما كل الأشياء تسقط في نفس المعدل، كما تقول أنت. لكن الأشياء الاستثنائية هي التي تعلو.

أسراري هي كنزي وقوتي الذهنية.

أريد الحرية…. ولكنها تُخيفني.

حتى الكلام المبهم يكون خطيرًا، الصمت أفضل شيء.

ذلك من سحر الفتيات حيث يمكنهن أن يحولن كومة من الطين إلى أفكار خلاقة.

وبما أن عشرات القتلى لم يكن بالإمكان دفنهم في أوطانهم، فقد دفنوا في ذاكرة أبي، في مقبرته السرية.

قد رأوا الرعب، والذي يرى الرعب بإمكانه أن يمارس الرعب بدرجة ربما أعلى، فهذهِ سنة الحياة وكذلك في زمن الحرب.

إزهاق الأرواح في الحروب لا يعتبر قتلًا. هكذا طبيعة الحروب.

يرى ‏الطفل الرضيع النجمة تتلألأ في النافذة بالليل المظلم، ‏ويمدُ يده ليمسكها. هكذا جاهد والدي ليتمسك بالأشياء التي كانت في الحقيقة بعيدة عن متناول يده، وبالفعل عندما لاحت له أنوراها، بدت قديمة ومنتهية.

ينبغي للتاريخ أن يكون خلاقًا عظيمًا بالنسبة لحياة الإنسان لأن الحياة وحدها مجرد تهمة ضد هيمنة الإنسان على كوكب الأرض.

القلب والروح، القريبان جدًا من الطهارة.

يستمر الناس مع ما نسميه الحياة العادية، لأنه لا يوجد أي نوع آخر من الحياة.

إنَّ الإنسان الذي يرغب بالحياة بينما العالم كله قد شارف على النهاية هو بالتأكيد إنسان جشع في حب الحياة.

حتى الجحيم لا ضراوة لها مثل ازدراء امرأة.

من الصعب تذكر الحزن، وهو بالتأكيد أمرٌ خفي غير ظاهري. لكنه مع ذلك هو نحيب الروح لا ينبغي أبدًا أن أقلل من شأن جبروته مرة أخرى وتأثيره العظيم على الإنسان.

رأسي ممتلئ بالحزن مثل امتلاء الرمان ببذوره الحمراء.

الرجال ليسوا إنسانيّين على الإطلاق، كلا، أنا أقصد أن لديهم أولويات مختلفة. ضع في اعتبارك، أنني حتى لا أعرف ماهية أولويات المرأة، على الأقل، أعرف ماهي الأولويات ولكنني لم أشعر بها أبدًا، كانت لدي رغبة جامحة لتوم. لكل كيانه. لا أدري. كان يجعلني أشعر بالدوار باستمرار. هناك بعض الأمور التي لا يمكنك أن تشبع منها. يمكنك أن تكتفي من الشوكولاته. لكن بعض الأشياء. أحببت صحبته، في جميع مظاهرها. أحببت شرب الشاي معه. أحببت تقبيل أذنيه. ربما لم أكن أبدًا امرأة سوية. إلهي اغفر لي. ربما كان الخطأ الأكبر الذي ارتكبته هو أنني كُنتُ دائمًا أشعر بالسواسية معه. شعرت أنهُ هو وأنا، مثل بوني وكلايد، اللذين كانا في ذلك الوقت في أمريكا يبحثان عن قلت الناس، معبرين عن حبهما بطرق غريبة.

أشعة الشمس هي قارئ عظيم للوجوه.

لأن الإخلاص ليس أمرًا يخص البشر، بل أمرٌ إلهي.

ضوء الشمس كما هو دومًا المقياس الأكثر قساوة لتحديد العمر.

أنَّ مرور الوقت هو مجرد خدعة، وارتياح. كل شيء موجود دائمًا، لا يزال ينكشف، لا يزال يحدث، الماضي، الحاضر، والمستقبل، في القمة إلى الأبد، مثل الفرشاة والمشط والشرائط في حقيبة يد. لكنه لم يعد.

من يستطيع حقًا تحديد سبب دموعنا البشرية؟

أنا خائفةٌ فقط لأنني لا أعرف كيف أستمر.

الشهوة هي بالطبع معناها جنون. قد يكون بلاء، ولكن في الدرجة الأولى هو جنون، جذوره ربما يكون مصدرها الجسد.

أنها وراثية. الجنون، يا روزان، لديه العديد من الزهور، تنبثق من نفس الساق. قد يتم عرض أزهار الجنون المتفتحة، من نفس الجذر، ربما بشكل متنوع. في حالة والدتك، الانطواء الشديد على نفسها، في حالتك، شبق خبيث ومزمن.

أنا سئمت إلى حد الموت من التفكير العقلاني.

من الجيد أن يكون لديك عائلة.

بينما كنت وحدي، تعلمت خطة بسيطة حول التكتم والبقاء على قيد الحياة.

كيف كان باستطاعتي أن أتمكن من العيش في الحياة بلا أحد؟

لقد عشت ذات مرة بين البشر، ووجدتهم بشكل عام قساة القلوب.

تستحق القراءة فعلًا لكن بمزاج. 

التقييم النهائي: ١٠ من أصل ١٠ 🇮🇪.

تعليقات

المشاركات الشائعة