عقلٌ صاخبٌ آخر.. لكن طبيًا

 تقييم ومراجعة كتاب عقلٌ غير هادئ للمؤلفة الأمريكية جاي ردفيلد جاميسون عن ترجمة حمد العيسى ونشر الدار العربية للعلوم ناشرون


ملاحظة مهمة ⚠️: في حالة شعورك بعدم الراحة أو القلق المستمر أو تحتاج مساعدة طبيّة تواصل على الرقم الموحد لوزارة الصحة السعودية 937 — تسعة ثلاثة سبعة.

هل تتساءل يا قارئي عن سبب اجتماع هذين الكتابين في شهر واحد؟

وأنا كذلك، ولا أعلم كيف حدث هذا بالفعل. كتابين في الشهر يسلطون الضوء على نفس الفكرة وهي الهوس أو النوبات أو بشكلً عام، اضطرابات العقل.

لطالما وددت بالفعل قراءة هذا الكتاب من فترة طويلة والسبب هو صراحة الكاتبة بهذا الوضوح ونشرها على الملأ، فعادةً لا تنشر الأمراض العقلية أو النفسية بهذهِ الطريقة خصوصًا أن تكون متداوله بكثرة في مجتمعتنا العربية. والمثير أيضًا في الموضوع هو نشر وإيضاح الكثير من الحقائق عن هذا المرض وارتباطه بالعالم الإبداعي، كما ذكرت في تدوينتي السابقة عن شخصية فرناندو بيسوا واضطراباته المتعددة مع نوباته المختلفة. فهو مبدع وايضًا مضطرب بنفس الوقت. وذكرت كاي تلك المشكلة بوضوح في احدى كتبها المنشورة وقدمها المترجم حمد العيسى.

أرغب بالفعل في معرفة حياتها عن قرب وعن مرضها ونوباتها وكيف تعاملت معها طبيًا ونفسيًا وعقليًا وأيضًا اجتماعيًا، يعني أن نكون قريبين كفاية لمعرفة المزيد عنها في كل جوانب حياتها.

في قراءاتي السابقة مع التقديم أشك حينما يقوم الكاتب أو المترجم بتوجيه شخصًا ما عزيز على الكاتب أو المترجم بتقديم المادة الأدبية، فأنا لا احب هذا الطبع أبدًا لأن أن نال على إعجاب المقدم فليس من المؤكد أن ينال على إعجاب القارئ فجميعنا نعرف أن القاريين لهم نظرة مختلفة تمامًا ومكانتهم عالية لأننا من خلال قرأتهما لأبد أن نحترم وقتهما وعقلهم وشخصيتهما في الكتاب، ولأبد من إثراء التجربة التي قد يمر بها.

تقديم أمل رائع بالفعل ومشوق لكنه غير مهم في الكتاب، والسبب يعود للمترجم نفسه الذي قام بتوجيه أمل لكتابة المقدمة.

وكثير من المدح يجعلني أكره الكتاب حتى ولو كان ذو منفعة عالية. اتركني أنا كقارئة أعيش هذهِ التجربة بحريتي سواء نال على رضائي أؤ لم ينال. بالنهاية أنا أعيش تجربتين تجربة الكاتبة وتجربة القارئة وخير الصواب لدى القارئة بالفعل.

بدأت الكاتبة في سرد أحداث حياتها ومعانتها مع الاضطراب من بداية حياتها في سن صغير وكيف كانت وكيف تحولت بشكل مريب ومفاجئ، وتأثير هذا الاضطراب على حياتها دون إدراكها بإصاباتها بالمرض ومع كل هذه المعاناة كانت تخبي تشويش عقلها بعيدًا عن أيّ أحد حتى عائلتها. وهذا يشير إلى قوة شخصيتها وقوة مواجهتها. فتحكي عن تأثير الاضطراب أثناء دراستها للدراسات العليا وكيف تيقنت من اصابتها. وبعد الفوز لعديد من الانتصارات، انتصارات نفسها على عقلها فجأة تهوى ساقطة من جبلٌ عاليًا، فتدخل بنا في عالم فرار عقلها المضطرب.

«هناك نوعٌ خاصٌ من الألم، والزهو، والوحدة، والرعب التي يتضمنها هذا النوع من الجنون. عندما تكون مبتهجًا يكون مذهلًا. الأفكار والمشاعر تكون سريعةً كالنيازك، وعليك أن تتبعها حتى تجد أفضلها وأكثرها إشعاعًا. الخجل يختفي، والكلمات والإشارات المناسبة تكون فجاةً هناك، وتصبح القدرة على أسر مشاعر الآخرين يقينًا مدركًا. هناك اهتمامات بأناسٍ غير مهمين. الشهوانية تصبح مستعرة، والرغبة في الإغواء وأن يتم إغواؤك لا تقاوم. مشاعر الهدوء، والحيوية، والطاقة، والسعادة، والقدرة المالية، والنشوة تعبق في نخاع الشخص».

هذا ما قالته الكاتبة كاي في الفصل الثاني بعنوان جنونٌ ليس بتلك الروعة. تأخذ اقتباس من كاتبتي المفضلة فيرجينا وولف ليصفها هذا النص «إلى أي مدى يمكن لمشاعرنا أن تاخذ صفاتها وهي تهبط إلى القاع؟ أنا أقصد، ما حقيقة أي شعور؟» عن معرفة شعورها الحقيق في كل هذهِ التموجات التي تخوضها وتختفي شخصيتها بين هذه التموجات، فلم تعد تتعرف على نفسها هل هي فتاة مهذبة أو متهورة أو فوضوية أو نشيطة؟ تجهل هويتها تمامًا. ولأنها تشترك بنفس حدة اكتئاب وولف فتجد بعض نصوصها تصفها وتصف حالتها. "بالمناسبة وولف كانت تعاني من نوبات اكتئاب حادة وهذا ما أدى إلى إنتحارها".

كانت هناك مشاعر صادقة في حديثها عن نفسها وتلقيت هذهِ المشاعر بتأثير كبير وكأنني قد أشعر بما هي تشعر به في هذه التقلبات الحادّة والتي لا يفهمها الجميع إلا المصابين وربما أيضًا المصابين أنفسهم لا يتعرفون على هذهِ التقلبات.

تتوسع الكاتبة في رحلاتها ونوباتها المتعددة من الهوس والهوس الاكتئابي تبذر في الشراء وصرف الأموال تبتعد عن العلاج تتوهم كثيرًا تصل لذروة نشوتها.. ثم تخضع للعلاج ولكنه يتحول إلى كابوسًا آخر.. حينما كان حلمًا ورديًا مذهلًا..

ِأكثر ما سبب لي الألم هو عدم قدرتها على القراءة بسبب تأثير الدواء الطبي! تخيّلت لو إنني "معاذ الله" أُصاب بهذه المشكلة! فماذا سيكون تصرفي بالفعل؟ وحقًا شعرت بالألم لها على شدة حبها للقراءة فتتركها أحيانًا بسب عدم قدرتها على فهم ما تقرأه وتواجهه صعوبة. ومع ذلك قد قدمت على التثبيت الأكاديمي، إنها غير قابلة للكسر وتواجهه مرضها بكل خلية قوة تكمن في جسدها.

بالرغم من كل المحن والمشاكل والنوبات العقلية المتعددة التي واجهتها، وكل التجارب التي مرت بها في الماضي، إلا أنها لم تستسلم أو تتوقف عن متابعة حياتها العلمية والعملية. بل واصلت في دراستها بجد واجتهاد، محاولة تحقيق أفضل نتائج ممكنة. واصلت في تقييم المرضى والتحدث معهم، مستثمرة خبرتها الشخصية لتقديم الدعم لهم. كانت تتعاطف بشكل عميق مع المرضى، فهي تعرف مدى صعوبة ما يمرون به. وكانت تذكرهم دائما أنها هي أيضاً تعاني من نفس المرض، ولكنها تتحدى هذا المرض يومًا بعد يوم.

الكتاب بالفعل جيد ورحلة مشوّقة تقربنا من تجربة كاي مع مرضها، تأثرت في ذكر مشاهد النوبات، تأثرت حينما لا تدرك إنها في قمة نشوتها، تأثرت حينما المرض يعيق حياتها ويختفي فجأة فتتمطن إنها قد تشافت منه لكنه يعود سريعًا. أتمنى من الله الشفاء العاجل لكل من يعاني من هذا المرض فيتمكن من العيش في حياته بالطمأنينة. هناك بعض النقاط التي لم تعجبني في الكتاب مثلًا ذكر علاقاتها المتعددة التي لا تؤثر في السرد أو ربما تأثر من ناحية الحالة المرضية وقدرة تأثيرها على العلاقات الاجتماعية هذا التفسير الوحيد الذي يدور في عقلي. أيضًا المبالغة في ضجيج الكتاب، ربما لأنني توقعت أفكار كثيرة وتفاجأت بالكتاب إنه بسيط. حجم الكتاب آه مزعج جدًا!

كلمة أخيرة شكرًا للمترجم حمد العيسى على هذهِ الترجمة الإبداعية إضافةً على ذلك الهوامش. أنا مغرمة جدًا بالهوامش.

عقلي كان يتمايل بخفةٍ في أرجوحةٍ داخل جمجمتي.

التقييم النهائي : ٧ من أصل ١٠ 🌪️.

تعليقات

المشاركات الشائعة