عناوين كثيرة وأفكار كثيرة، جلسة تحليلة مع وولف.

 تقييم ومراجعة كتاب غُرفَة يَعقُوب للمؤلفة الأدبية الإنجليزية فرجينيا وولف عن ترجمة المُبدعة سناء عبدالعزيز


ها هي مشاعري ترتبك مجددًا حينما اقرأ كتابًا أدبيًا رائعًا، وها انا أبدأ قراءتي الأولى للكاتبة فيرجينا وولف. وانا سعيدة جدًا. بدأت في قراءة هذا الكتاب في سنة ٢٠٢١ ولكنني توقفت أمام الفصل الثاني ولم أعود ثانيةً للقراءة. "وصراحةً اجهل السبب خلف توقفي"، ولكنني الآن اعود لقراءة فيرجينيا وولف. وإنها لحظة سعيدة جدًا إنني انتظرت كل هذهِ المدة، لأن فعلًا، اكتشفت بأنَّ الرواية تستحق ذلك الانتظار. قامت المترجمة سناء عبدالعزيز بتقديم الرواية والتعمق الشديد في أسلوب وولف الأدبي، والتي ساعدتنا جدًا في الوصول لهدف وولف الأدبي، وماذا تُفكر بهِ خلال كتابتها لهذهِ الرواية، «غُرفَة يَعقُوب». هو القلق الوجودي الذي كانَ يصرخ بقوة في أحدى أصوات شخصياتها. حينما قالت: «لو يستطيع شخصٌ ما أن يمنحني… لو استطعت أن أمنح شخصًا ما…”، لكنها لا تعرف ماذا تُريد أن يُمنح لها، ولا من يستطيع أن يمنحها إياه”». نبدأ على بركة الله ندخل في غُرفَة يَعقُوب.

شاركت سناء «المترجمة» أن رواية غُرفَة يَعقوُب كانت نقلة نوعية حينما نشرتها فرجينيا في سنة ١٩٢٢ وهو عصر الجاز عصر غاتسبي العظيم. حققت هذهِ الرواية النقلة في اللغة والأسلوب السردي والبناء في كتابة وولف. والتي حققت انتشار. واسع بعذ ذلك. لم تتوقف سناء بل ابدعت اكثر في وصف وولف السردي وأسلوبها اللغوي في التصوّر الأدبي الإبداعي هي تستطيع أن تكتمك برائحة الغبار وأن تُريك الأعلام الصفراء وتجعلك تشعر بالماء في ساقيك. إنها فعلًا رائعة وولف في لغتها وتصوّرها الإبداعي! وشددّت سناء على هذهِ النقطة بتعبيرها قائلة: «عدسة وولف المصوبة إلى جميع الجهات». تضيف أيضًا سناء نقطة مهمة وهي «لا يتوقع القارئ إذن أن تسير الأحداث مسلسلة ومرتبة بما يتيح له الاستلقاء والمتابعة فحسب، "وولف لا ترغب ذلك أبدًا يجب أن تستيقظ معها" ولا أن يتحرك الزمن بتدفقه الطبيعي، أو أن يمتد المكان أفقيًا ورأسيًا. ففي غرفة يعقوب، الحيز الضيق الذي عنونت به وولف روايتها، تتقلب التربة لتطفو شخصيات على السطح وماتلبث أن تختفي، مفسحة المجال لشخصيات جديدة قد لا تحتل من عالم الرواية إلا سطرًا أو سطرين بالكاد». وللأمانة اشعر أنني محظوظه لأني املك هذهِ النسحة المترجمة بسبب سناء. أحب حينما المترجم يستخدم هوامشه في المساعدة للوصول إلى عالم الكاتب الأدبي دونما التشويه اللغوي المبالغ فيه احب ان يجعلني اشك إنه على علاقة شخصية مع الكاتب لأنه فقط يفهم كيف يكتب، وبالطبع هذا مافعلته سناء. شكرًا لها.

يُذكر أيضًا أنَّ وولف تأثرت بشدة حين مات أخيها غرقًا وقد تشكلّت الخلفية الحديثة التي بَنت عليها وولف هذهِ الرواية «غرفة يعقوب». يعني بذلك إنها تحمل سرًا كبيرًا لدى الكاتبة وتأثرت بها فعلًا لأن بعدما كتبتها بعد عشرين عامًا ملأت جيوبها بالحجار وأغرقت نفسها في نهر أوس. وشخصيتها الرئيسية كانت تحوم حولها فكرة الوحدة التي يعيشها وسط هاجس الموت المسيطر عليه في كل لحظة وكل ثانية.

أول يجب أن نفهم أو نَعّي ماذا يعني أنَّ وولف تكتب رواية غرفة يعقوب بـ«تيار الوعي». لأن هذا أسلوبها الحديث بعدما دوّنت إنها ترغب بكتابة رواية حديثة. تيار الوعي يعني حسبما يقول موقع ويكيبيديا؛ الانسياب المتواصل للأفكار داخل الذهن أو جريان الفكر باطنيًا وذهنيًا يدخل في إطار هذا التيار الكثير من التغييرات والتقلبات والتدفق والتفاعل بين الماضي والحاضر.

تحتوي غُرفَة يَعقوُب على طاولة مُستديرة وكرسيين منخفضين، وثمة أعلام صفراء في برطمان على رف المدفأة. يَعقوُب وماذا عنه؟ نتعرف لمحةً عليه بشكل أكبر من خلال تقديم المترجمة إنه شخصية لا يهتم بالمظاهر وإنه غير متكلف ويمكن للمرء أن يبوح له بما يُريد، على الرغم من إنه مُخيف. على الرغم من انطفاء صوت الشخصية الأساسية إلا إننا نشهد تصرفاته العقلانية والبعض الصبيانية في المشاهد كما ذكرت المترجمة في المقدمة كانت الشخصية تخرج بصمت ثمَّ تَختَفي. كما في هذا المشهد «لكن موريس كان يُخطئ في بعض الأحيان. فكثيرًا، ما كان يَنَتقْي يعقوب قلمًا رفيعًا جدًّا لإجراء تصحيحات في الهوامش». على الرغم أنَّ عنوان الغلاف بأسمه، إلا إنه يتعرض للتهميش من قبل الكاتبة! لم تكن وولف تَبني مشاهده كما تبني مشاهد التصّور الإبداعية. يعقوب شخصية مُهمشه ودائمًا يبقى في الخلفية مع ضجيج الشخصيات الأخرى. وهذا حقًا مُثير في الكتاب وفي أسلوب المؤلفة نفسه! تخيّل قارئي أن تَبني شخصيتك البطلة في كتابك ثم تُعرضها للتهميش! أظن أن الكاتبة تتصل بشدة بشخصية يعقوب. ربما تشعر إنها مثل يعقوب. أو جسدّتها في هذا الكتاب. لأن طبيعة شخصية يعقوب غامضة إلى حدً ما. وهناك تفسير آخر يدفعني عقلي الرمادي للكتابةِ عنه وهو أن كل ما حدث في عالم غرفة يعقوب كان فقط يقتصر في داخل عقله أو في حدود غرفته فقط! هذا ما توقعت.. أشعر إنني أود أن أتعمّق أكثر عن عالم وولف الأدبي وشخصيتها يعقوب الذي لم تتسم بالوضوح كانت مُبهمة.

في كتاب «مرتفعات وذرينج» كانت الشخصيات مُتعددة وأصواتهم عالية والأحداث كثيره كان عالم إيميلي صاخب حقًا، بينما شرّعت في القراءة لوولف الشخصيات بسيطة وهادئة عالمها بسيط ووسيع ومليئ بالبهجة، شخصية رئيسية غامضة لا نفهمها أو حتى نرتبط معها، هذا الاختلاف الذي احبه حينما اقرأ.

تبدأ القصة بمشهد حيَّ حيث الأرملة "بيتي فلاندرز" في عطلة على الساحل مع أطفالها ورسائلها التي تنبض وترتعش. يعقوب بطل هذا الكتاب أو بطل المشاهد يبحث عن ما يثيره في الأرض. نستمتع بوصف الشاطئ وضجيج الأطفال والبالغين ومحادثاتهم. ونشهد في باقي الفصول تَطور يعقوب نراه صبي صغير ثم شاب مراهق ثم طالب جامعي ثم شاب يعمل ويحب قراءة الكُتب ويقُدّر الأعمال الفنيّة ويكتب المقالات،

هنا سرَّ لدي وولف في حُبَّها الشديد للفراشات وجعل شخصيتها الأساسية يحب ذلك أيضًا. تتحدث عن الفراشات بعمق وأظن أنه بالتأكيد يدل على شيء خاص بها. لأنها ساحرة في الكلمات ورمزيات الفراشات وتستخدمها في أعمالها الأدبي للتعبير عن التحوَّل، الهشاشة، وطبيعة الحياة الزائلة، والتجدد "لأنها صفة الفراشة". سَتشعر بإعجابها الشديد وولعها بالفراشات وبعض الحشرات. أتوقع إنها تنقلها في الفصول بشكل متكرر لتعبر أكثر عن معاني أعمق تخص شخصية يعقوب التي تكون هناك حقيقة. كما وصفتْ يعقوب قائلة «يعقوب خلف فراشاته كعادته».

لن تكون هناك قصة أو حبكة يمشون بها الشخصيّات بل هناك مشاهد وكأنك في مدينة وسيعة جديدة حديثة تتشاهق المباني صعودًا وكلما نزلت بعينك للأسفل ترى مشاهد وولف الحيّة، يعقوب في غرفته، مدام نورمان وهي تقرأ ثلاثة صفحات من إحدى روايات نوريس، مدام جارفيس وهي عادتها في السير على المستنقع حين تكون تعيسة، مدام فلاندرز وهي تُقلّب الرسالة وكلما قرأتها سَرت رعشة خفيفة في جسدها. هذهِ هي مشاهد وولف التصويّرية التي أبدعت فيها. لا تقلق عليك فهي تُحضر كل شيء في إطار المشهد، لا تَخلف.

يَكبْر يعقوب وتَدور الدنيا من حولهِ دونما أن نكون معه في غرفته، يلعب، يمرح، يُأكل، يكتب المقالات، لكننا لا نسمعه.. نرى فلورندا وقعت في حُبَّه لكننا لازلنا لا نسمعه.. إنما فقط كل ما نشعر به هوَ تَطور الدنيا من حولهِ وتطور المشاهد، دونما أن يتحرك. شكرًا لفيرجينيا وولف على هذهِ التَحفة الأدبية. كلما وقعت عيني على الغلاف الأخضر المُصفر تذكرت المشاهد وتذكرت ملامح وولف وقصة انتحارها، كلما سمعت اسم يعقوب تذكرت هذا الشاب الصامت الذ يكتب المقالات. والذي يعرف في سرَّهِ أن لا أحد سَيوافق على نشره. الشاب الذي يميل للعزلة والأكثر شعورًا حينما قرأنا هذا النص قائلة «تمدد يَعقوب على قمة الجبل، في عزلة تامة، وهو يشعر بارتياح كبير مع نفسه. ربما لم يحدث أبدًا أن أحس بالسعادة هكذا طوال حياته». نعرف من خلال هذا النص بأنَّ يعقوب يميل للعزلة ويحب أن يكون وحيدًا. بلغ السادسة والعشرين ونحنُ لم نسمع مشاعره! أو آراءه! لم نراه يُعبر!. كان صامتًا طوال رحلة الكتاب الأدبية. وهذا يثير القلق.

ذكرت المؤلفة في إحدى الاقتباسات: «سأقتني قريبًا واحدة من لوحات مالينسون الصَّغيرة مثل لوحة شاردان». وقد وصفت الهوامش بالتعبير لوحات الرسام الفرنسي من القرن الثامن عشر، الذي يعتبر أستاذًا في تصوير الحياة الصامتة وديمومتها غير المحدودة، بعيدًا عن السرد والوصف والرمز، باستخدام طبقات لونية كثيفة يضعها تبعًا على قماش لوحته الخشن. وتآكل الفضول كحبة هيل في عقلي من النصف وتحركت أصابعي على لوح مفاتيح جهاز (الآيباد) للبحث عن هذا الرسام. وكانت النتائج مُدهشة! وكانت المساعدة الأكبر في الوصول لهذهِ النتائج بالطبع سناء عبدالعزيز في الهوامش. لم تقتصر على الترجمة بل ركزّت على الفنون أيضًا التي قامت بذكرها وولف بانتظام. وهذهِ إشارة على حُبّ وولف للأعمال الفنيّة وتُقدّرها. يعرض هذا الموقع أعمال الفنان الفرنسي حسبما يقول محرك البحث «جوجل». استمتع قارئي بهذهِ اللوحات الرائعة التي اقترحتها وولف.

كنت في لندن اتأمل مع يعقوب الفنون واللوحات واتعرف على الفنانين الأوربيين، ثم فجأة وجدتني في اليونان وأرى فنون الإغريقيين ولوحاتهم وإبداعاتهم بالهندسة المعمارية. وتسائلت في سرَّي! بسم الحي الذي لا يموت متى وصلت لليونان بهذهِ السرعة؟ في صفحات قليلة؟ ثم تذكرت ببساطة أن سناء تحدثت عن هذهِ النقطة التي خافت أن تَزلق بين يديها ولا تعرف ذلك مُشددة في المقدمة. قائلة «كما لا يسير الزمن على نحو خطي، بل يتذبذب بين الماضي والحاضر والمستقبل دونما إشارةً مسبقة، وهو ما يتسبب دائمًا في كثير من الالتباس إذا لم ينتبه المترجم جيدًا إلى زمن وولف شديد التعقيَّد وفجواته المُتعمدة. كما تقطع أميالًا من سكاربورو إلى كورنوال ومن اليونان إلى إنجلترا أو إيطاليا وتعود هرولة أحيانًا في مقطع واحد». ما هذا العمق الشديد يا وولف! تجعلني أفكر كثيرًا كيف أصيغ كلماتي المبعثرة في وصف هذهِ التحفة الفنيّة!

أغلقتْ فرجينيا الفصل الرابع عشر بهذا النص «"لقد ترك كل شيء كما هو"، تعجب بونامي. "لا شيء مرتب في مكانه. كل رسائله مُبعثرة لأي شخص يقرؤها. ماذا كان يتوقع؟ هل اعتقد أنه سيعود؟" استغرق في التفكير وهو يقف في وسط غرفة يعقوب». وهذا تركنا في حيرة عميقة. أين اختفى يعقوب؟ هل قَتَل نفسه؟

لأبد أن اتوقف عن النقاش في إبداعات وولف، لأنني إذا استمريت في الكتابة عنها لأغرقت التدوينة بكتاب وكلمات وولف كلها. أرغب بالتعبير أكثر ومناقشة كل نص كتبته، لكنني سأتركها بمخيلتي تتحارب معها ومع نصوصها وسأدع نفسي تبحث كثيرًا حتى تجد ضالتها في أو مع وولف. حتى بعدما انتهيت من غرفة يعقوب أشعر بالعطش والضما لأنني أرغب بالكثير من كتب وولف والتي سأشتريها بلا شك بإذن الله.

كل شيء يبدو مرتبًا على نحو مرضٍ، وإن تكدسنا مثل أسماك مملحة في برميل، وأرغمنا على تحمل عربة الأطفال التي لن تسمح بها صاحبة المكان بطبيعة الحال…

كانت فراشة حشيشة الحجل تتدفأ على حجر أبيض في المعسكر الروماني. ومن الوادي تصاعدت أجراس الكنيسة. الجميع يأكلون الآن لحم البقر المشوي في سكاربورو؛ فقد كان يوم أحد حين صاد يعقوب الفراشات الصفراء في حقل البرسيم، على بعد ثمانية أميال من المنزل.

الآن تبلدت السماء بالغيوم. ثم عادت الشَّمس مُبهرة مرة أخرى.

اعتادت مدام جارفيس السير على المستنقع حين تكون تعيسة، إلى أن تصل إلي تجويف على شكل صحن فنجان، على الرغم من رغبتها الملحة في الذهاب إلى إحدى قمم الجبال البعيدة؛ وهناك تجلس، وتخرج الكتاب الصغير المخبأ تحت عباءتها وتقرأ بضعة سطور من الشعر، وتنظر من حولها.

  • حينما عبرت وولف عن القلق الوجودي في مشهد :

حين تبدو السفن في البحر أسفل منها تتلاقى بعضها مع بعض وتجتاز بعضها البعض كما لو أن يدًا خفيّة تسحبها؛ حين تحدث ارتجاجات في الهواء من مسافة وثمة أشباح لفرسان يتوقفون عن الركض؛ حين يتماوج الأفق أزرق، أخضر، مضطربًا - آنذاك، تنطلق من مدام جارفيس تنهيدة حارقة، تفكر في نفسها، "لو يستطيع شخصٌ ما أن يمنحني.. لو استطعت أن أمنح شخص ما…"، لكنها لا تعرف ماذا تُريد أن يُمنح لها، ولا من يستطيع أن يمنحها إياه.

لابد للمرء أن يَبذل قصارى جهده لفهم انطباعاتها.

يقولون إنَّ السماء هي نفسها في كل مكان، إنها الفكرة التي يستمد منها المسافرون والغارقون والمنفيون والمحتضرون، الراحة، وأن كنت بالطبع ممن لديهم نزوع باطني، فإن العزاء، وحتى بالتفسير، ينهمران عليك من السَّطح الممتد بلا انقطاع.

بناءً على قناعة عنيدة يتعذر كبحها تجعل الشباب سيئو الطباع إلى حد لا يطاق - "أنا ما أنا عليه، وأنتوي أن أكونه"، وبالتالي لن يكون هناك نموذج في العالم مل لم يشكل يعقوب واحدًا بنفسه.

القمر المكسو بالريش الأبيض لا يترك السماء تُظلم تمامًا؛ بقيت طوال الليل أزهار الكستناء مضيئة في قلب الخضرة. وداكنًا كان بقدونس البقرة في المروج.

أي إنسان يعطي أهمية لشيء ما يقرأ ما يستهويه فقط، حسبما يأخذه مزاجه، بحماس أحمق.

قالت شارلوت بثقة "هناك ملايين النُّجوم". ردت مدام دورانت، "النُّجوم تُضّجرني". وصاحت لها الآنسة إليوت: "ألا يجعلك ذلك تشعرين بالحزن، تأمل النُّجوم؟".

وإذا كان ثمة ما يختبئ فيه المرء مثل قوقعة على قدر مقاسه تمامًا، فهنا نجدها، على ضفاف نهر التايمز، عند تقاطع الشوارع الكبرى وكاتدرائية القديس بولس، وقد تخلص منها تمامًا مثلما يتخلص الحلزون من قوقعته الملتفة فوقه.

يبدو أن الرجال والنساء عرضةً للخطأ على قدم المساواة. يبدو أن الرأي الثاقب والموضوعي والحيادي لأندادنا المخلوقات يتعذر معرفته على الإطلاق. فنحن إما رجال، أو نساء. إما باردون، أو عاطفيون. إما شباب أو كهول. في كل الأحوال، الحياة ليست سوى موكب من الظلال، ويعلم الله بما أنها ظلال، لماذا نعانقها بتوق شديد، ونراها ترحل بمثل هذا الكرب. ولماذا، إن كان هذا صحيحًا - بل وأكثر جدًّا من صحيح، ما زلنا نتفاجأ في زاوية النافذة برؤية مباغتة مفادها أن الشاب الجالس على الكرسي أكثر واقعية من كل الأشياء في العالم، أكثر وجودًا ملموسًا، وأكثر شيء نعرفه، لماذا حقًّا؟ في اللحظة التالية لا نكاد نعرف شيئًا عنه. بمثل هذهِ الطريقة نرى. بمثل هذهِ التقلبات في مشاعرنا.

الجسم يُسخَّر للرأس. الجمال يسير مع الغباء متشابكي الأيدي.

إنَّ تضييع لحظة واحدة يبدو أمرًا لعينًا.

كانت مستنقعات كلارا على ما يرام. الفينيقيون ناموا تحت الصخور الرمادية المكدسة؛ مداخن المناجم القديمة بدت مدببة بشكلٍ قاس؛ العث المبكر صبي نبات الخلنج الرمادي؛ يمكن سماع صرير عجلات العربات على الطِّريق البعيد؛ وصوت تجرع الأمواج وتنهدها يسرى بهدوء وثبات إلى الأبد.

شكرًا فيرجينيا وولف. شكرًا سناء عبدالعزيز.

من أروع ما قرأت أدبيًا. ويارب تكون لي قراءة ثانيةً إن شاء الله.

التقييم النهائي : ١٠ من أصل ١٠ 👦🏽.

تعليقات

المشاركات الشائعة