رحلة عميقة في حياة الفرد المعاصر

 تقييم ومراجعة كتاب معنى الحياة في العالم الحديث للمؤلف عبدالله بن عبدالرحمن الوهيبي 


كيف هي حياة الإنسان المعاصر الآن في هذهِ السنوات الحديثة؟ كيف يُفكر وكيف يعيش ويشعر؟ وهل للحياة معنى في نظره؟ ماهي الأزمات التي يواجهها؟ وهل تشبه أزمات العصور السابقة؟ وماهي طريقته في المحافظة على سير الحياة، ماهي قيمة النشاطات الاجتماعية والدين في حياته؟ وماذا يعني أن يفقد المرء هويته الشخصية! ويفقد معنى الحياة؟. هذهِ وأكثر أبرز عناوين عبدالله الوهيبي التي تناولها في كتابه، أخاف كثيرًا من كتابة هذهِ التدوينة واظلمه من شدّة عمقهِ الفلسفي، مهما كتبت ومهما تجاوزت الكلمات بحورًا وآفاقًا، فلن تكون كافية أبدًا متعة وأهمية هذا الكتاب القيّم. فكيف كانت رحلة البحث عن معنى الحياة في العالم الحديث مع عبدالله الوهيبي. تاريخيًا وفلسفيًا وأدبيًا وفنيًا - جميع مايدخل بهِ الإنسان في حياته الحديثة.

يتناول الوهيبي دراسات فلسفية عن معنى الحياة، مُستعرضًا العديد من المصادر من الجوانب العلمية، الدينية، والبحوث العلمية، وأيضًا من اختلاف الثقافات.فكل ثقافة تمتلك نظرة معينة نحو الحياة، وحتى أيضًا في الحالات النفسية. الدراسات عميقة للغاية. والمؤلف يقوم بكتابتها ودراستها وتحليلها وتقديمها لك، لا أظن أن هذا الكتاب يستحق قراءة واحدة، فلا شك يحتاج أكثر من قراءة ومع ذلك تدوين الأفكار والتعليقات أمر ضروري. كتبت العديد من الأفكار والتعليقات في دفتر خاص جعلته للكتاب فقط. وفعلًا لا أرغب بالركض والاندفاع في القراءة، فقد أشعر بأن حجم المعلومات التي تُذكر في الكتاب يتطلب وقتًا وتأملًا.

في كتاب «عن معنى الحياة» أخذنا ويل في خطابات فلسفية تنوعت بين الحزن والفرح والأعمال الإنسانية والشرور والإنانية والمعنى الفلسفي ثم يبسطه لنا بتفكيره الفلسفي مشيرًا إلى أنه يجب أن نأخذها ببساطة وتكف عن البحث المستمر عن معناها لكن عبدالله الوهيبي رفض هذهِ الفكرة وبدأ في جمع أفكاره وفلسفته الخاصة، ثم قدّمها لنا في كتاب معنى الحياة في العالم الحديث. ولم يقدمه ببساطه فلسفية هكذا بل ضمّ معها جوانب الحياة بأكملها. حياة الفرد والحياة الاجتماعية والأفكار عن الهوية الذاتية والفردانية والذات والآنا وأزمة المراهقة والجماليات “Aesthetics” جوانب يمكن أنت بذاتك تجهلها.

تحذير عزيزي القارئ : هذا الكتاب لا تكفيه قراءة واحدة أبدًا أو قراءة سريعة.

يذكر أيضًا هذا الكتاب الحياة الحديثة للإنسان المعاصر أو الفرد الحديث وأزماته الهويتيه والفردية، يتناول عن موضوعات الثورة الفردانية، أزمة الهوية، مركزية الذات الآنا في العقود الأخيرة، الذات الحديثة، الجسد، الأديان البديلة، المشاعر الحديثة، الفن والمعنى. جوانبه متعددة وأكثر من الذي ذكرتها لا أظن إنني استطيع تغطيتها كاملة في تدوينة واحدة. إنها أعمق من ذلك بكثير. وأعمق من كتاب «عن معنى الحياة» الذي قرأته في شهر ديسمبر. يا إلهي كمية تفاصيل عن الحداثة وعن أزمة النفس الحديثة ومع ذكر المصادر. حقيقة المعنى والذات والآخر والهوية والجسد والفردانية والآنا، تكمن في هذهِ الصفحات لماذا الذات؟ ولماذا الهوية؟ ولماذا الفردانية؟ الذي يشهدها عصرنا الحالي ومداخلات من العلم الفلسفي من العصور السابقة وكيف تتغير الفلسفات في كل أزمة وكل عصر.

خطورة فقد الهوية الذاتية قد يدفع الإنسان إلى الكذب والاستمرار بذلك والمبالغة. لهذا يحتاج المرء إلى قصة داخلية حتى لا يفقد هويته الذاتية.

شاهدتُ فيديو على منصة يوتيوب بعنوان “تجارة الاكتئاب” للناشر أنس آكشن، حيث تحدث عن حالة اليوتيوب الشهير المعروف بـ”بندريتا” ومواجهته للإكتئاب وأزمة الانتحار. كان أنس قد شارك وجهة نظره بشكل تحليلي حول العاب الفيديو وتأثير هرمونات السعادة ومشكلة الإدمان، ومع ذلك، أظن أن مشكلة اليوتيوبر الشهير ليست فقط في عالم الألعاب، بل قد تكون نتيجة لتحول العالم الحديث وتقدم وتطور التقنيات بشكل جنوني، والاعتماد كليًا على هذهِ الأجهزة مع التوجه الكامل نحو العالم الافتراضي الذي قد يكون مليئًا بالتنمر والمشكلات والهويات المجهولة والجهد في النشر اليومي، قد يكون اكتئابه عرضًا لأزمة ثورة التنكولوجيا وأزمة ما بعد جائحة كورونا في عام ٢٠٢٠ التي يُعاني منها الجميع. ذكر الوهيبي نقطة الأجهزة وثورة التقنيات وحقيقة تأثيرها على الفرد في العالم الحديث. فيدل ذلك على أن ارتفاع إصابات حالات الاكتئاب قد تشكل خطرًا نتيجة التنقية. وبلا مبالغة آذر نفيسي ذكرت هذهِ النقطة في كتاب جمهورية الخيال عن التعلّق الشديد للأجهزة في هذا العصر الحديث.

أرتبك فعلًا كلما ضغطت بأصبعي على تدوينة هذا الكتاب فأشعر انني لن أوفيه قدره الذي يستحقه! أرتبك مجددًا ثم احاول صيد كلماتي في ملاحقة الفصول، لأبد لهذا الكتاب ان يلامسك بطريقةً ما! في كل فصل ستجد نفسك او شخصًا تعرفه بطريقة مختلفة او بزاوية مختلفة، تفكير فلسفي تحليلي واقعي تعيشه الان، لا ادري كيف يُفكر مؤلف هذا الكتاب في تجميع هذا القدر من المصادر وتحليلها بأسلوب نقي! اتمنى حقًا أن تظهر سماتي الإبداعية في مراجعة هذا الكتاب، لأنه لا قراءة واحدة تكفية ولا حتى كتابة مراجعة تكفيه، فهو بمثابة مرجع أساسي للفلسفة العميقة في العالم الحديث، كانت تجربة معنى الحياة مع ويل ديورانت رقيقة ومسلية ومُعبرة لكن عبدالله الوهيبي يُريك حقيقة العالم الرمادي فعلًا، فتدرك هذهِ الدراسات وهذا العالم.

سَتمر مراحل الكتاب كالاتي، أولًا لحظة الوعي والإدراك ثم الانخراط في الفلسفة الغربية ثم الآنا والآخرين والثقافات المختلفة والديانات والمشاعر والرومنسيات ثم الوعي بالفرد المعاصر ثم فهم المصطلحات العميقة ثم بعد ذلك تصل لمرحلة الرضا والقناعة الدينية. هكذا رتبّها الوهيبي بطريقة تجعلك لا تنسى الكتاب أبدًا لأن اختلط بعدة مواضيع وعدة مراحل وهذهِ المراحل التي مرّت عليّ أثناء قراءتي للكتاب. أخيرًا شعرت بالرضا لأنني ادركت معنى الحياة في السرد القرآني الذي قام بها الوهيبي في نهاية الكتاب.

الإحساس بفقدان الإحساس بالمعنى هو بمنزلة تهديد لنا، وسمة من سمات عصرنا، بخلاف جميع العصور السابقة.

يحتاج الإنسان إلى قصة داخلية مستمرة للحفاظ على هويته ونفسه.

في كثرة الحكمة كثرة الغمّ، ومن ازداد معرفة ازداد كآبة.

معنى الحياة يعدّ من بدهيات التصوّر الإسلامي.

عدم السأم مُطلقًا هي حالة ملائكية لا إنسانية.

يعدّ الألم من أعظم المحفزات للإنسان على التأمل في معنى حياته ومغزى الوجود بأسره.

الحاجة إلى الفلسفة لم تَندثر.

أن الروحانيات هي المعاني والوجدانيات التي تملأ باطن الإنسان بالطمأنينة والسكينة والرضا، وتعوّضه عن ما يفقد، وتلبّي حاجته الداخلية إلى التعالي على شؤون الحياة الظاهرة ومادياتها المجردة.

بعد تأمل معظم التحليلات السابقة يمكننا أن نحدد بوضوح العلاقة بين الفن ومعنى الحياة كما تبدو في المشهد المعاصر؛ فالفن -يسبب مضامينه الانفعالية والوجدانية- يوفر إشباعًا روحيًا مؤقتًا، أو يوهم بالإشباع الروحي، وهي حاجة دفينة إلى الكمال والجمال، والتناغم والانسجام، مع الذات والعالم، وهذا الشعور الفني الكثيف المتكرر يضعف -أو يلغي- دوافع الفرد للبحث عن المعنى، إما بالتوسّل بالفنون إلى تفسير الذات والعالم، واستنباط معنى الوجود وغايته، والتعامل مع المنتجات الفنية كمعبر للخلاص الروحي، وإما بالانخراط في استهلاك إدماني لوجدانيات الرواية والفيلم، وروحانيات الموسيقى، وجماليات اللوحة والشعر الجليل، وتحويلها إلى منبع لتجارب روحانية ولذّات نفسانية تعويضية، ومخزن استراتيجي للانفعالات الممتعة، المقاومة لوعثاء البوس الدنيوي، وشوائب التعاسات اليومية، وهذا السلوك الثاني هو الأغلب على المعاصرين.


أتمنى حقًا أن اقرأه مرة ثانية.

التقييم النهائي : ١٠ من أصل ١٠ 🧠.

تعليقات

المشاركات الشائعة