الأصابة بالعمى ليست إلا تحدي

 تقييم ومراجعة كتاب الأيام للمؤلف طه حسين عن نشر مؤسسة الهنداوي 


عوض الله جميل مهما كان متأخرًا أو متقدمًا.. شابت عيني بسبب راديو الهواة ورواية أنت. فضجرت بشدة ولمتُ نفسي على هذهِ الاختيارات السيئة، على وجه الخصوص رواية أنت. كانت من أشبع الروايات لغةً وسردًا وفكرةً وقصةً. كانت تحمل كل الصفات السيئة للأدب. ولأن لطف الله كبير، اخترت كتاب طه حسين الأيام. ومن الصفحة الأولى حينما قرأتها وأنا خلف المقود انتظر والدتي، توسعت بؤبؤة عيني رهبةً واستمتاعًا لما سأقرأه يعني الله عوضني عن هذين الكتابين السابقة بكتاب دسمًّا أدبيًا لغةً قويًا.

الأيام.. سيرة ذاتية عن طه حسين، لا اعرف هذا الأديب كثيرًا لكنني كنت اسمع اسمهُ بكثرة في طفولتي، فأذكر أنه كانت هناك فكرة متداولة ولا أظن إنها حقيقية. فمن تلك الفترة تعرفت على الكاتب لكنني لم أكن على استعداد لقراءة أيّ من أعماله على عكس حماستي واستعدادي للقراءة عن د، مصطفى محمود.

يتناول طه حسين الأديب الكبير، سيرته الذاتية من مشاهد طفولته، يحكي لنا بلغة الراوي الحكيم، يرسم لنا صورة حية لحياة الطفل الذي كافح في سبيل العلم والمعرفة والعمل، وبالحقيقة المرّة تظهر لنا لقطات مؤلمة مثل الإحراجات الاجتماعية فلا يخجل حسين منها ويضعها وعلى الأغلب كانت جزء كبير من تكوين شخصيته، تظهر لنا معانته في تعلّم القرآن الكريم في صغرهِ، نرى رغبته الشديدة في التعلّم والاجتهاد حتى بعد إصابته بالرمد في العين الذي أدى بهِ للعمى. فلم توقّفه هذهِ الإصابة عن الاستمرار بالكفاح. وهذا إلهام جيد. يعكس لنا الأيام من خلال هذهِ السيرة الصورة الحقيقية الذي ولدّت هذا الأديب.

تعجبني قدرة هذا الرجل الأدبية المذهلة بشكل كبير، أتأنى في القراءة لهذا الكتاب لأستمتع بلذة الكتابة ومتعة المفردات وقوة اللغة. على عكس ما قرأته تمامًا. مبدع في السرد وتماسك هذهِ السيرة. لكن حينما انتهيت من قراءة الجزء الأول تفاجأت بسقطة قوية في الجزء الثاني ولاحظت إنني وقعت فريسة في اللغة والسرد والأسلوب وانسابت مني القصة، الأساس.

فأستيقظت من نشوة اللغة وتداركت القصة — فلاحظت صمت الشخصية الرئيسية وهي الطفل في كل موقف اجتماعي يجتنب الحديث حتى في المواقف المحرجة.

مثلما حدث موقف سابق في طفولته تكرر هذا الموقف حتى في فترة مراهقته، ونفس المشكلة لم يجيب أو حتى يناقش.

الحوارات كانت مختفية بعض الشيء ولكن السرد متماسك تمامًا حتى مع غياب الحوارات.

أصوات الشخصية لم تكن موجودة حتى الشخصية الرئيسية فكان الراوي هناك يتحدث بصوت الصبي وكأنه هو ولكنه ينظر من خلال نافذة أخرى.

انبهرت بلغة المؤلف بالفعل كم ذكرت سابقًا ولكن القصة بسيطة أو حتى السيرة، كانت أبسط مما توقعت على عكس سيرة مؤلفة عقل غير هادئ، ربما يفرق الاختلاف الكبير بينهما لكن الأحداث في الحياة قوية وهذه السيرة كانت بسيطة حقًا هي رحلة تعلم ممتعة للقارئ لكنها ليست ثرّية كما توقعت. ولو استمر نهج اللغة والكتابة المبهرة على ما تبقى من الاجزاء لتناسيت حقًا القصة ولكن بعد انتهاء الجزء الأول رأيت القصة بوضوح وعن قرب وهنا اختفت ملامح الدهشة وتبقى الضجر ليمارس رياضته عليَّ.

أعجبني ذكر حياة الأديب بطريقة ترضى القارئ النهم بقولهِ كانت حياة الأدباء في تلك الأيام مزاجًا غريبًا من متعة تُختلس بين حين وحين، من بؤس نفسيَّ يُفرضونه على أنفسهم، وإن لم تفرضه عليهم الحياة؛ فالأديب عندهم وعند غيرهم في تلك الأيام.. بائس بطبعه، طامح بطبعه إلى النعيم، يتِّخذ البؤس لنفسه عشيرًا، ويجعل النعيم لنفسه حلمًا، ويختلس المتعة القصيرة بين حين وحين إن أتيح أن يخرج من حياته المألوفه إلى رياضة في الضواحي، أو تَنَزٌّهٍ في الحدائق، أو جلسة في قهوة من القهوات. كانت حياة الأديب فيما وراء ذلك ألوانًا من الرضا والسخط تأتيه من قراءاته الكثيرة المختلفة، قِوامها أن يُفكر كما كان يفكر القدماء الذي يقرأ آثارهم ويشعر كما يشعرون، ويسير في الناس كما كانوا يسيرون. كان هذا تعقيبًا رائعًا عن حياة الأديب حيث كانت تشمل العزلة والقراءة الكثيرة واختياره للبؤس بمعنى العزلة والبقاء وحيدًا بجانب كتبه. وكان يقصد حسين بألوانًا يعني أنواع مختلفة.

  • نقاط الألهام بهذهِ السيرة هي:
  1. لم يتوقف حسين عن التعليم
  2. كافح للوصول لأعلى الدرجات
  3. لم يعطل حياته العمى وفقدانه للنظر لم يوقفه
  4. تعلم عدة لغات منها الفرنسية واللاتينية
  5. كتب رسالتين محاولًا أن يتم ابتعاثه لأكمال الدراسة للجامعة المصرية فتم رفضها وحاول إلى أن وصل لهدفه
  6. حقق شهادة الدكتوراه

تمنيت بالفعل أن يستمر الإبداع اللغوي في ماتبقى من الأجزاء كانت حقًا هي الدافع المثير للقراءة، اصعب جزء هو الثالث شعرت بالثقل الشديد والحمدلله انتهيت منه.

ذاكرة الأطفال غريبة، أو قلْ: إنَّ ذاكرة الإنسان غريبة حين تحاول استعراض حوادث الطفولة؛ فهي تتمثل بعض هذهِ الحوادث واضحًا جليًّا كأن لم يمض بينها وبينه من الوقت شيء، ثم يمَّحِي منها بعضها الآخر كأن لم يكن بينها وبينه عهد.

كان قد صَلُح ونَسُك حين اضطرّته الحياة إلى الصَّلاح والنسك.

وإنما كان يخلو إلى نفسه ويعيش في عالم من الخيال يستمده من هذهِ القصص والكتب المختلفة التي كان يقرؤها فيُسرفُ في قراءتها.

لم يكتب إلا حُبًّا للكتابة ورغبةً فيها، لم يكسب بها درهمًا وملّيمًا.

— التقييم النهائي : ٥ من أصل ١٠ 🗓️.

تعليقات

المشاركات الشائعة