إذ كانت الحياة قصيرة، إذً لنوّسع شُعلة الوعي.
تقييم ومراجعة مجلة الثقافة العالمية لإصدارات المجلس الكويتي الوطني للثقافة والفنون والآداب — عدد ٢١٧
![]() |
صباح يوم الأحد ثاني أسبوع دراسي 🫧 |
إذ كانت كاتبًا وترغب بكتابة الكثير من التدوينات ولكنك تتوقف أمام أيام وأسابيع لا تكتب فيها، فدعني أبشرك بأنني وجدت الحل لك ولي وللكُتَّاب المبتدئين.. أبحث عن كتاب أو مقالات منشورة في مجلة أو حتى في مواقع الإنترنت والتصق بها ومن الأفضل أن تكون تشمل مواضيعك التي عادةً تكتب عنها وانتظر سيل الأفكار والكلمات وكل شيء ينقص كتابتك. ولهذا أنا إلتصق بإصدارات المجلس الكويتي الوطني، لأنها تجعل سيل الكتابة يسيل أكثر مما أتخيل أنا شخصيًا، إنها تُغذيني فكريًا وعقليًا وثقافيًا وتغذي مهارة الكتابة لدي.
ما تعرفت عليه في نفسي لقراءتي المستمرة لإصدارات الكويت هي فقط عطش مستمر للمعرفة والثقافة سواء الأجنبية أو العربية أو أي ثقافة أخرى. (ولا تقتصر على فقط - هناك جوانب متعددة لهذا الشغف المستمر) والمثير للتعجب إنني أجد كل ما ابحث عنه واستمر وهذا ما يزيد الشجاعة في الاستمرارية دون توقف مع إصداراتهم، هذا بالفعل يجعلني أقف بين فترة وفترة في عز ظهر مدينتي الرياض لسؤال في متجر التميمي عنها، أظن مدير المتجر سيجيب عليَّ بشكل معتاد دون حتى طرح سؤالي، وها أنا اليوم أكتب هذهِ التدوينة وأنا في الساعة الواحدة ظهرًا أركن السيارة وأنزل بحقيبتي التي تحمل نسخة من المجلس الكويتي.
حسنًا.. المجلة ببساطة شديدة، هي عدة مقالات تقريبًا مترابطة لنفس الفكرة البارزة في العنوان؛ روئ الميتافيزيقا. علم لا يهمني أبدًا ولا أحبّه، وسبق وقرأت مجلدات "ما وراء الطبيعة" رغم حبّي الشديد للعالم الآخر مننا إلا أنَّ الموضوع الذي تعمق في المجلة كان يختلف تمامًا عما فكرته به حقًا.
ربما يكون مفهومي عن الميتافيزيقا سطحي جدًا بسبب ما قاموا به قرّاء ما "وراء الطبيعة" بينما هو يختلف تمامًا عن ما كنت أفكر به، ولهذا الإثراء الجيد من خلال القراءة وجدت إنها تعبير فلسفي مثير للاهتمام والتطلعات وعكس ما استقبلته في الماضي، فهي تفتح آفاقًا واسعة لمدارك العقل تفسر الوجود والواقع وتحلل العلاقة بين العقل والمادة تبحث عن السبب والنتيجة وتقوم بتحليل الزمان والمكان وهل هم مطلقان أم نسبيان؟.. اجتهد الباحثين والأكاديميون في دراسة هذهِ المقالات التي تنبض حتى من سنين طويلة قديمة وتقاس عليها الفرضيات والنظريات العلمية. والصدمة الكبرى هي أن الميتافيزيقا أساس للعلوم الفلسفية. التفكير الفلسفي هو نفسه لم يتغير من الإغريق إلي مابعد الحداثة — هو العلم الذي يُبني عليه نظريات مثل المعرفة والأخلاقيات وحتى علاقة العقل بالجسد.
توقعت قارئي الكريم، بأنني سأقوم بتغطية مواضيع المقالات بأكملها لكنني أكتشفت في الصفحات الأخيرة إنني نسيت بعض منها وحينما فتحت محتويات المجلة وجدت إنها عشرين مقالة، ولهذا سيكون من الصعب عليَّ تغطية كافة الجوانب من المجلة وحتى سيكون صعبًا على قارئي العزيز لهذا سأقوم بذكر ما قرأت بشكل مبّسط لتقديم المجلة بصورتها الثقافية في حال قررت شراءها.
تبدأ الافتتاحية بعنوان «حكايات بنى آوى» والمستفاد القصير من هذهِ المقالة المميزة هي أهمية القراءة في الحكايات القديمة لأنها ستقدم لك دروسًا عميقة بشكل بسيط دون التعقيد وذكر الباحث حكايات متعددة ترسم الحكمة ولا تتوه عينك عن المقصود بها، بمعنى آخر لا تواجه صعوبة في العَّبْرة بأسلوب تشويقي، هي تسمو بعقولنا إلى ذلك التخيّل اللامحدود، لكنها لا تصل إلى خاتمة أو نقطة وصول مفاجئة؛ فهدفها إذن ليس الوصول إلى حل، لكن الكشف عن ذلك المبدأ أو العبرة المُتضمَّنة - وهذا يتيح لفكرة القصة الرئيسة أن تظهر. جرّب أن تقرأ حكايات قديمة لتستخرج منها الحكم والعبر كما ذكر الباحث في مقالته. وقد تستفيد فعلًا لأنها ترسم لك الحكمة.
ثم نركض سريعًا من الحكايات القديمة إلى «"اضطراب تشوّه الجسم؛ حالة شائعة لكن حتّى الآن يُساء فهمها إلى حدّ بعيد"» من خلال العنوان يوضح بأن سيتم عرض حالة لمريضة تعاني من تشوّه في وجهها وهي في الحقيقة لا تُعاني من شيء وتملك أنف طبيعي ويتناسب جدًا مع وجهها فتقوم الباحثة بعرض الحالة والدراسة عنها نفسيًا قبل أن تمم العمليات ومن خلال الجلسات المتكررة نفسيًا تغيرت فعلًا طريقة تفكير المريضة وأصبحت تحُب وجهها أكثر ويعني أنها تحتاج أن تغير ما تفكر به وتحتاج التوقف عن ماذا يفكر به الآخرون أمامها، فنحن لسنا مسؤولين عما يفكر به الآخرون بشأننا أو شأن ملامحنا. تظهر النتيجة بأنها أحبّت نفسها وأنفها ورفضت العملية باقتناع تام. رغم إن المقالة جيدة إلا إنني أشعر إنها عادّية جدًا فرق كبير عن الذي سنقرأه تاليًا.
نتنقل إلى «آني إرنو: التزام مزعج» بعرض قصة الكاتبة التي اتهمها الجميع في اشتراكيتها وهي فرنسية الجنسية من خلال كتاباتها التي تنقلب ضدّها لتتحول ساسية رغم كتابتها الاجتماعية والأدبية الثقافية ولهذا سيتبين المقالة المعنى العميق خلف هذهِ الثورة على الكاتبة. لا أعرف الكاتبة ولا تهمني أخبار فرنسا أبدًا ولا حتى كُتّابها باستثاء تقديري الشديد للكاتب «غيوم ميسو» لكن هذهِ المقالة كانت متشبعه جدًا بعرض مشكلات الكاتبة المتكررة سياسيًا واختلافها بين اليميين واليساريين حتى انفجرت غاضبة على كل التهم التي تعلقت بها وتوّضح المقالة سوء الفهم الذي دار حولها. ومن خلال المقالة اكتشفت بأنها كاتبة متمكنة من حرفتها ووضعت اسمها في قائمة كتبي الجديدة وإن شاء الله سأقرأ لها لأنها مع كل هذهِ الاتهامات لم تتوقف عن عملها وإبداعاتها الأدبية.
ثم نغوص سريعًا إلى موضوع يحبّه كل قارئ وكاتب، «الكتب تسافر على نحو متزايد» والذي يدور المحور حول الكتب المستوردة والمترجمة خصوصًا الكتب الفرنسية وما تواجهه من مشاكل في النشر والتوزيع أحببت فكرة الكتب التي تصل للعالم وإنها تترجم إلى لغات متعددة لتساعد القارئ يصل لثقافات أخرى كما أجابتني «آذر نفيسي» كاتبتي المفضلة على رسالتي عبر البريد الالكتروني "أحد أفضل الأشياء في الكتب هي أنها تربطك بالأشخاص الذين يشاركونك نفس الشغف الذي تشاركه." وهذا فعلًا حقيقي وهذا ماتفعله الترجمات العالمية لكن أيّ عمل أدبي يتحول إلى أرقام يفقد هيبته وكان المقال يضم الإحصاءات الوطنية التي في فرنسا لتصديرها واستيرادها الأدبي. والمثل الأعظم الذي أحبّه العالم وتمكن من فوز القرّاء هو كتاب «الأمير الصغير». والكتب في الحقيقة تسافر فعلًا.
ثم أخيرًا نفتح ملف العدد ٢١٧ والذي يتصدره المقال الأول بعنوان «النصوص الهندية القديمة تكشف القوة الحريرية للميتافيزيقا» والتي تطرح الميتافيزيقا في النصوص الهندية القديمة ولأنني لست مهتمة جدًا بهذا الموضوع قرأته على مضض، وتهدف هذهِ القراءات على تقديم تعاليم خاصة للبحث عن المعرفة وتبيّن ترحال فلاسفة الهند للبحث عن المعرفة فقد كانوا متعطشين لها ويكتبون نصوصًا وانتشرت هذهِ النصوص لتظهر بأسلوبها وتكشف معرفة جديدة ونشهد حبُّهم الشديد للتطلع والتجربة واستكشاف أنفسهم من جديد.
وننتقل من بعد الفلسفة الهندية إلي الفلسفة الصينية بعنوان «نحن كائنات متشابكة» — التين يحتاج إلى الغيوم والريح ليطير… ما الذي سيحدث لو تخلينا نحن أيضًا عن التفكير الفرداني. تظهر المقالة عن فكرة الفردانية، فتستفتح الأستاذة بنص ماذا لو أخبرتك أنه لا يوجد شيء اسمه فعل فردي؟ وأنك في كل مرة تأكل فيها، أو تصعد السلم، أو تقرأ كتابًا، لستَ العامل الوحيد المسؤول عما تفعله؛بل أنتَ منخرط في عملية ابتكار مشترك Co-creation، تصبح بموجبها متلقيًا للفعل وفاعلًا بالقدر نفسه؟
نفهم من النص أن لا يكون هناك فعل أصلي قمت به أو قام به الآخرون لأبد بأنه سيكون مشتركًا للعمل به أو لتعمل به، مثلًا مثل لوحة المفاتيح هذهِ التي اضغط بأصابعي عليها لأكتب في تطبيق آخر وكلها مشتركة في الصناعة، وهنا تخرج فكرة التيارات الفكرية المؤثرة في الفلسفة الصينية؛ فإن البشر والحيوانات الأخرى ليسوا الكيانات الوحيدة، التي تتمتع بالقدرة على الفعل؛ فنحن بدورنا نتأثر بأفعال كا ماهو موجود حولنا، مثل الأشياء والأفكار والقوانين والجينات والطعام والأسس. السبب الجوهري لأي حدث لا ينحصر في فاعل واحد؛ بل إن الفاعلية هي نتيجة تفاعل القوى الموزعة عبر مجال متنوع من الفاعلين، سواء من البشر أم من غيرهم.
اختصرت بقدر المستطاع حتى لا أطيل في الموضوع ولكنها ليست بهذهِ البساطة أبدًا فهي أعمق بكثير مما اختصرته حقًا.
وبعد التكيّف في الفلسفة الصينية نصل إلى عتبة أربع نساء لدراستهم للفلسفة بعنوان «الميتافيزيقيا والأخلاق» — كيف دافعت أربع نسوة عن الفكر الأخلاقي أمام إرث الوضعية؟
تطرح أليس الأستاذة في البحوث الاجتماعية، تحليل بسيط لحياة الأربع نسوة التي درسوا فيها الفلسفة وكيف تحوَّلت دراستهم هذهِ إلى نماذج حقيقة استطاعوا من خلالها تغيَّر مفهوم الفلسفة ومن ضمنهم ذكرت الباحثة عن جين أوستن وحياتها معهن. وفي الخلاصة فهن من نمط الإبداع الفكري.
ثم نذهب إلى مقالة «منُعطَف ما بعد اللّغة» — كان يجمع أهل الفلسفة التحليليّة وأهل الفلسفة القاريّة (الأوروبيّة) من قبل انشغالُهم جمعيًا باللّغة، لكن ظهرت اليوم أسئلة وقضايا جديدة. لقد سارت الفلسفة الغربيّة في القرن العشرين في طريق من طريقين، وتبنّت خطابًا من خطابين، لكلّ منهما أعرافه واصطلاحاته ومفرداته؛ هما على سبيل التبسيط «الفلسفة التحليليّة» analytic و«الفلسفة القارّيّة» (الأوروبيّة) continental.
يبين المقال وضع اللغة في الفلسفة ما قبلها وما بعدها وأدّى ذلك إلى هوس المفكرين بالتفسير اللغوي. ويمكن أن ندرك بأنَّ كل لغة تحمل في ثناياها فلسفة معينة خاصة بها.
وبعد عمق اللغة نذهب إلى لذّة الميتافيزيقا «هل الصدف حقيقة؟»
أنا إنسان عقلاني للغاية، وعلى الرغم من ذلك، إلا أنه يطيب لي أن ألمس شيئًا غريبًا ورائعًا في المصادفات الغريبة التي تحدث في الحياة. ارتبط هذا الشخص بمجموعة مصادفات وبدأ له وكأنها خوارق للطبيعة، لدرجة كان يحتفظ بدفتر يوميات للأحلام التي يحلم بها وتصادف إنها قد ترتبط في حياته اليومية يعني مثلًا قد احتلم بواحدة اسمها روز وبعد مدة قصيرة اكتشف بأنها ماتت. ومن خلال هذهِ الأحداث كلّها تخرج المقالة لتبين حقيقة الصدق، والتي قد تنشق إلى مصطلحين من علم اللغويات، وهو انحراف في الإدراك الحسي، تبدو في سياقة ظاهرة انتبه إليها المرء حديثًا وكأنها موجودة في كل مكان حوله. وقد تكون مدمجة من عمليتين نفسيتَين مفهومتَين تمامًا وهما: الانتباه الانتقائي والتحيز التأكيدي.
يحتاج المقال قراءةً ثانية لأنها تتعمق بشكل أكبر إلى الميتافيزيقا. وحتى إنني وضعت إشارة لتذكير نفسي بقراءته.
وبعد ذلك نتنقل إلى «لا وجود للزمن المطلق» — قبل قرنين من آينشتاين، أدرك هيوم أن لا وجود للزمن الكوني بمعزل عن حيثية الرائي.
في الحقيقة لم أفهم هذهِ المقالة بشكل واضح لأنها تحوّلت إلى مقالة فيزيائية بحت رغم جذورها الفلسفية.
ولكنني سأحاول التوّصل إلى مفهومها، تنطلق مقالة ماتياس من خلال ثلاثة نقاط رئيسية:
- نسبية الزمن: تحدي فكرة وجود ساعة عالمية، موضوعية تحكم مرور الزمن بالنسبة لجميع المراقبين.
- ذاتية الزمن: استكشاف كيف يمكن أن يختلف إدراكنا وتجربتنا للزمن اعتمادًا على عوامل مثل حالتنا العاطفية، وخلفيتنا الثقافية، وحتى موقعنا الجغرافي (كما هو الحال في نظرية النسبية لأينشتاين).
- تدفق الزمن: مناقشة ما إذا كان الزمن "يتدفق" أو إذا كان كيانًا ثابتًا.
- طبيعة اللحظة الحاضرة: دراسة الطبيعة الغامضة للحاضر وعلاقته بالماضي والمستقبل.
وبعد نسبية الزمن نلقى نظرة على «فن لرسم الميتافيزيقي» والذي يبين من خلال أشكال هندسية أو تماثيل لكنها في المخرج تبين على أشكال أشخاص حقيقين وهذهِ نبض الميتافيزيقا، وهناك بعض الرسومات لتقدم تحليل بسيط للرسمة. ومن هذا المنطلق تفهم فعلًا شعرية الأشياء العادية في روح الميتافيزيقا. ولأن ألبرتو أشتهر بكونه كاتبًا إلا إنه برز في فن الرسم الميتافيزيقي التي جعلته من أحذق مُّنظِر لهذا التيار التصويري الجديد.
ثم نتجول بخفّة مع «أنماطُ الحياة» — تسلِّط نظريَّة التعلُّم الآليِّ ضوءًا جديدًا على كيفيَّة التفكير في الطبيعة الغامضة التي لا تُوصف للفنّ.
يستهل الدكتور بالتحليل الظاهراتي للحياة اليومية في الأنماط والهياكل التي تكمن وراء تجاربنا المختلفة اليومية. والأنماط الثقافية الاجتماعية ويشير العنوان إلى السياق الثقافي والاجتماعي المشترك الذي نعيش فيه. تقود هذهِ السياقات إلى أهمية اللغة والشعر والروايات في إثراء المعرفة الوجدانية التي تحمل فيها المعنى.
وبعد ذلك نتنقل إلى «هذا المقال ليس صادقًا» — عدمية الحقيقة هي النظرية القائلة بعدم وجود أي حقيقة صادقة. سنكسب كثيرًا إذا أخذنا هذهِ النظرية الراديكالية على محمل الجد.
نختصر المقالة في بداية النص الذي يبرز فكرة المحتوى بأكلمة، أمضى الفلاسفة ردحًا طويلًا من الزمن في فحص ودراسة موضوع الحقيقة. لقد طرحوا أسئلة من قبيل: ما مضمون مفهوم الحقيقة؟ أعني ماذا يعني التفكير في شيء ما على أنه حقيقي؟ وما الحقيقة نفسها؟ هل حقًا يمكننا التوصل إلى وصف حقيقي يهدينا لمعرفة ماهية الحقيقة؟ وهل تعني الحقيقة، على سبيل المثال، ما يعينه مصطلح مطابقة الحقيقة بالموضوعات الفلسفية المهمة الأخرى، من قبيل المعرفة والتفكير والإثبات؟ هذهِ كلها أسئلة وجيهة، غير أن السؤال، الذي أود التركيز عليه هنا، هو سؤال لم يلتفت إليه كثيرون، على الرغم من أهميته الكبيرة؛ ومن ثم فهو يستحق الفحص والتدقيق؛ وأعني: هل لدينا في المقام الأول سبب وجيه الاعتقاد بوجود بعض الأشياء الحقيقية؟
افتتاحية مثيرة جدًا لتبين فكرة الحقيقة والصدق والاعتقاد بها. استهلّ الكاتب في الطرح بين الحقيقة واعتقادها من إطار فلسفي لقواعد المنطق.
ثم إلى «قوة الوجود والحاجة إلى الميتافيزيقا» — تُعد الميتافيزيقا بمنزلة دليل قاطع على أن الوجود سابق للقوة. وفي خضم إستراتيجياتها المتباينة، لا تزال تأسر الفكر في بوتقة الاستواء الذاتي. وعلى منوال الطبيعيات العاجزة عن تحجيم العقل في إطار الأدلة المادية الملموسة نفسه، تؤول الميتافيزيقا إلى أشكال تأملية انعكاسية لوجود مُسلم به، وصولًا إلى مبادئ وأسس تمثيلها العقلاني. وانطلاقًا من الرغبة نفسها، تُشكل الميتافيزيقا جزءًا من النسغ، الذي يُغذي شغاف شجرة الوجود بأسرها؛ حيث تتغلل جذورها الراسخة أسفل جذع الطبيعيات في أعماق أرضية نعجز عن سبر أغوارها، ولا يسعنا سوى أن نستخلص منها قدرات الخالق "وانعدام مادية أرواحنا". ولو أن الميتافيزيقا "تتخطى وتتجاوز" الطبيعيات؛ فذلك لأنها تأتي "في المقدمة" (مثلما ذكرت سابقًا إنها جذور الفلسفة) وتقي من النزق وعدم التصبر الخامل. في الواقع، ترتكز فلسفة التعالي والتسامي على الحدس الذاتي. ومن منطلق ذلك التدرج المنطقي، باتت معلومة لدينا أخيرًا هوية التابع، وإلى أي "طبيعة" ينبغي أن يدين الفكر بالولاء. وسواء كانت هذهِ الطبيعة وقواها الميتافيزيقية خارقة أم بشرية؛ فلا شك في أنها تزيح الستار عن "الهيمنة المبهمة لرغبة تملكية فطرية".
وبعد إدراك الميتافيزيقا في حياة المرء ندخل في ناقد الميتافيزيقا الكلاسيكية، «هيغل»، ويتكرر اسمه كثيرًا في المقالات السابقة لأنه من أعظم فلاسفة العالم. مفرط في الكثافة والتجريد والريبة. ظلّ هيغل خارج الفلسفة الناطقة بالإنجليزية لقرن كامل. ما سبب بزوغ نجمه من جديد؟
لأنه يغتر جدًا بفكره الألماني ويتجنب الفكر الإنجليزي ابتعد كثيرًا عن نشر الفلسفة في أي قارة أخرى من القارات ويعود السبب لضعف الترجمات من الألمانية إلى الإنجليزية وإلى تعقيد فكرة فلسفة هيغل نفسها، لأنها كانت وما زالت معقدة وتتطلب دراسة عميقة لفهمها. ويناقش أستاذ الفلسفة هنا أهمية هيغل وفلسفته في فهم القضايا الاجتماعية والسياسية المعاصرة.
وبعد هيغل، «هل من الممكن أن يكون الإقناع السياسي أكثر من مجرد تلاعب بعواطف الجمهور؟»
اختلف الموضوع بين العلماء والفلاسفة في هذا المنطلق، فقد قال «كانط» أن العقل المتحرر من السلطات المختلفة الموروثة، أو الأحكام المسبقة، قد يفضي إلى التنوير، وكان اعتقاده هذا يستند جزئيًا إلى نموذج من نماذج التفكير. ووفق هذا النموذج، فإنه لكي يكون العقل حرًا فعليًا؛ فلا بد أن يكون منزهًا عن العواطف والانفعالات؛ لأن هذهِ التأثيرات تشوّه الفهم الحقيقي للأمور؛ فكانط يرى أن الإقناع ارتبط بالتلاعب العاطفي؛ ومن ثم غالبًا ما كان معارضًا للعقل. كما كان الإقناع في كثير من الأحيان، إن لم يكن دائمًا، نتاجًا للخداع. بينما نتنقل إلى آخر خطابات الحداثة؛ أي ما ذهب إليه «سيغموند فرويد» من أن الوجدان يطغى على عمليات العقل الواعي أو الناضج. ومن هذا المنطلق، لا يمكننا النظر إلى المشاعر والعواطف، التي أثارها «كانط»، على إنها تشوّه الفهم الحقيقي للأمور؛ بل بوصفها جانبًا أساسيًا من جوانب التفكير؛ وهذا الاتساع في تحديد عمليات التفكير سيتصادم مع تفسير أرسطو للعاطفة في الجزء الثاني من كتابة "الشعرية"، وسيقدم لنا طريقة جديدة لفهم الإقناع.
ومن ثم إلى «الحفاظ على خياراتنا المفتوحة» — يستهل الكاتب بموضوعي عن الأنثروبولوجيا ويستكشف التحديات التي تواجه المجتمعات في الحفاظ على تنوعها الثقافي في ظل التغيّرات العالمية، مع التركيز على محدودية الخيارات المتاحة للحفاظ على الهويات الثقافية والأثر المحتمل على التنوع البيولوجي.
لم انجذب كثيرًا للموضوع السابق وأثارني هذا الموضوع أكثر حتى وصلّني إلى ربطه بتغطية وجه المرأة المسلمة وحشمتها، نتنقل إلى «مفهوم الخفاء.. لماذا يأسر الخيال؟»
ويتبلغ المقال قوة المجهول في النفس البشرية، ومن الخرافات القديمة إلى أحدث النظريات العلمية.. يمثل الخفاء بعض أعمق مخاوف ورغبات البشرية. حتى في كتاب "الجمهورية" العمل الفلسفي الكبير لأفلاطون يقوم شخص يدعى جلوكون بإجراء محادثة مع سقراط يشارك فيها قصة عن خاتم قوي. في هذهِ القصة، يجد الراعي جيجز صدعًا في الأرض. في الأنقاض التي تقع تحتها، يكتشف جثة ترتدي خاتمًا ذهبيًا فيأخذه ليرتديه بنفسه. وتستمر الحكاية إلى أن اكتشف جيجز أنه اكتشف قوة الاختفاء وهو مع الرعاة. وقام على الفور يتآمر لكي يُرسل إلى البلاط الملكي، وباستخدام قواه، يغوي الملكة، ويقتل الملك، ويسرق المملكة. قدمت القصة تساؤل إذا كانت الفضيلة موجودة فقط بسبب الخوف من العقاب. وتظهر القوة الرمزية للاختفاء وقد تميل بعض القصص إلى أن تبين بأنَّ القوة تأتي بتكلفة باهظة لمن يمتلكها.
ولنصل أخيرًا لما قبل الأخير بعنوان «يمكنك الشعور بالنوستالجيا للأشياء التي لم تفقدها بعد» تُلخص لنا الكاتبة شعورًا قد يتكرر علينا ونتساءل كثيرًا عنه، مثلًا على الصعيد الشخصي حنيني المستمر وشعوري بالنوستالجيا لفترة الثمانينيات رغم إنني ولدت في سنة الألفين؟ .. ما سبب إرتباطي الشديد لهذهِ الفترة الزمنية الماضية التي أثرّت في حياتي بشكل كبير حتى إنني كتبت نصوص كثيرة عنها، وقد قالت شيلا الكاتبة عن هذهِ الحالة بأنها «النوستالجيا التاريخية -Historical Nostalgia» أو «الأنيمويا - Anemoia». الشوق فترة زمنية في الماضي لم تعشها بالفعل وهو مرتبط بمشاعر عدم الرضى عن الحاضر والتهكم أو التشاؤم.
وقامت بتحديد أنواع النوستالجيا كالتالي؛
فإذا كنت تقضي بعض الوقت مع شخص عزيز عليك يعيش بعيدًا عنك، وشعرت بالحزن المسبق قبل فراقه؛ فأنت تمر بحالة النوستالجيا المنتظرة، لكن إن كنت في الموقف نفسه، ووجدت نفسك تتخيل بأنك يومًا ما ستشعر بالحنين لزيارته؛ فأنت حينها تمر بحالة النوستالجيا المتوقعة.
وأخيرًا المقالة الأخيرة التي لم استوعب منها شيئًا لا أدري هل هو اجتهاد الكتابة والقراءة ومشاريع الدراسة أو فقط لأن الموضوع كان مقتصرًا سياسيًا مع تلاعب الضيف في الأفكار، هي ليست مقالة بل مقابلة مع مارك نيوكليوس بعنوان «أصحة من دون أمن؟» .. يتمحور الحوار عن مفهوم الأمن السياسي ومنطق العلاقات الملكية الرأسمالية وارتباطهما في علم المناعة ومفهوم الجسد. لاحظت ارتباط مواضيع عديدة في هذهِ المقابلة لأنها تضم موضوع سياسي ثم الأمن العسكري تطرقًا إلى الأمن الطبي وأخيرًا الفلسفة وردة فعل الدولة عن التيار الطبي في عام كوفيد-١٩.
شكرًا جدًا لهذا المجهود الثري لإصدارات الكويت، حقًا تعلمت الكثير وفهمت الكثير وأدركت وتغيّرت مفاهيم عديدة لدي في رحلتي مع المجلة الثقافية العالمية، شاهدت مجتمعات ثقافية وفلسفات قديمة وحديثة وحتى حكايات ثرّية. ولأزيد الأثراء، صورة جمالية تعبيرية عن التصميم الخارجي والداخلي للمجلة، التصميم بسيّط ومرّيح فعلًا للعين والخلفية بيضاء مُريحة أيضًا حتى محاذاة النصوص مع الصور، واختيار الصور جيد يتناسب منطقيًا مع موضوع المقالة.
سأتوقف عن قراءة إصدارات الكويت هذهِ الفترة تحديدًا عن المجالات الثقافية التي تضم المقالات العلمية والأدبية. وسأقرأ الروايات هذهِ الفترة لتقدمي الملحوظ في ضغط المشاريع الدراسية ولخوف ضعف مجهودي في كل الأرنبين.
لو وصلت هنا، شكرًا لك أنت. شكرًا لأنك قرأت وشكرًا لوقتك الثمين 🫂.
يجب أن يبقى الإنسان فعالًا في الوجود.
اللُّغة بوصفها بيتًا للوجود لا يستطيع الإنسان أن يفكَّر في مكونات وجوده من دونها.
اللُّغة بالنسبة إلى هايدغر هي الأداة التي من خلالها يستطيع الفرد اكتشاف الوجود.
«إن الحِلْمَ (الأناة وضبط النفس) أفضلُ صفة للحاكم».
لا توجد مكافأة في الحياة من دون مخاطرة.
«إن مشاكل الناس في هذا العالم، كما رأيت، تنبع من تلك الرغبة المفرطة التي يحرضها الجشع!».
إنَّ تخيّلاتنا الواسعة تدفعنا صوب وجهة معاكسة لأجسامنا الصغيرة الضعيفة.
ماذا لو لم يكن من الضروري أن تكون الحياة قصيرةً جدًا؟ ماذا لو قدرنا على توسيع شُعلة الوعي الصغيرة في نار الفرح؛ وتلك النار داخل شمس تخترق أشعتها الكون وصولًا إلى أُسسه؟
أيًا كان العالم الذي يفكر فيه الإنسان بعقله… فذاك هو الذي يفوز به لنفسه. عندما نفهم العالم في كلّيته، يغدو جزءًا منا؛ وبهذا لن نعود معزولين.
في العالم الحديث، يُحتمل أن ننسى كل هذا؛ فالأجسام حقيقية، والعقول غير جوهرية، والأفكار تبدو تافهة، وهي، بصعوبة، تكون هنا.
يولَّد النسيج الأساسي للواقع ذرّات وخَلاَيا وأنظمة حياة، منها ينبثق الوعي والمشاعر والإدراكات والمفاهيم والمشاريع والأهداف والمثل والسرديات والمعنى، الذي تدلّ عليه الكلمة؛ فالمستويات «العليا» من الواقع ليست أقل واقعيةً إنما هي منبثقه عنه فحسب.
يصبح القائد البارع مثل الماء؛ فهو يُبلور إستراتيجياته بانسيابيه وفقًا للظروف المتغيرة في تكوين القوة الجماعية.
أنَّ الفهم اللغوي يتطلب شعورًا بالأشياء، التي يمكننا القيام بها قصدًا بالكلمات؛ أي ما يسميه «القوى الإنجازية».
إنَّ اللغة هي الطريقة الأساسيّة، التي نمارس بها وجودنا في العالم، والهيئة الجامعة الشاملة التي يتشكّل منها العالم. في كلّ وعينا بأنفسنا ووعينا بالعالم، تحاصرنا جميعًا تلك اللغة التي نستعملها - لغتنا. إنّنا نكبر وننمو ونتعرّف إلى البشر، ونتعرّف في نهاية المطاف إلى أنفسنا عندما نتعلّم كيف نتكلّم. نحن في حقيقة الأمر وعلى الدوام نجد أنفسنا في اللغة.
ندرس شخصيّات معناه أن ندرس كائنات لا تكون إلّا في لغات معيّنة، أو تتشكّل في جزء منها بها. لا يمكن للإنسان أن يدخل في أطوار الشخصيّة إلّا إذا دخل في أطوار لغة من اللغات.
العقل يبدأ باكتساب الأفكار حينما يبدأ الإدراك.
أننا ندرك فكرة الزمن من خلال إدراك التغيير.
يُعد العقل هو صوت ما وراء الطبيعة
طبيعة العقل نفسها تتجاوز كل قدره وسطوة للعقل البشري.
أن إدراك مفهوم محدد يتطلب «إعادة بناء عقلاني» لتاريخه.
عندما يموت أحد كبار السن في أفريقيا، يبدو الأمر كما لو أن مكتبة قد احترقت.
إنَّ أقدم وأقوى عاطفة بشرية هي الخوف، وأقدم وأقوى أنواع الخوف هو الخوف من المجهول.
— التقييم النهائي : ٩ من أصل ١٠ 🌍.
لو إنني املك عمرًا آخرًا لقراءتها ثانيةً.
تعليقات
إرسال تعليق
شاركني رأيك، لأنه يهمني.. الخانة مفتوحة لبحر كلماتك 💌