إنها حقًا مئة عام من العزلة ⏳

تقييم ومراجعة رواية مئة عام من العزلة للمؤلف الإسباني غابرييل غارثيا ماركيز — عن ترجمة د. سليمان العطار، وعن نشر وتوزيع دار آفاق 

التقطت هذهِ الصورة لأنني مغلفة الغلاف الخارجي بسبب الصورة 🫣 

شكرًا لأخي أولًا على تقديره لي وإهدائه هذهِ القيمة الرائعة وهي؛ كتاب. بعيدًا عن فحواه. إهدائها إلي في عيد ميلادي سنة ٢٠١٧ م، يعني بعمر السابعة عشر، بدأت في قراءتها ووصلت سبعين صفحة ثم أصابني الضجر فجأةً وقررت التوقف إلى حين يشاء الله يجعلني أخذها وأقرأها بتمعن وهدوء أكثر. وها أنا أقرأها في سن الثالثة والعشرين وبعد ثمانية أيام بالضبط سأبلغ الأربعة والعشرين. "من تاريخ هذهِ التدوينة".

قطع أنفاسي المترجم في تقديم الرواية وتقدريها الشديد ومجهود ماركيز في تقديم هذهِ التحفة الأدبية الفنيّة التي بلغت قيمتها في أميركا الوسطى -حسب ما ذكره المقدم- ولأبد من التقدير الكبير الذي قدمه ماركيز في مسيرته الأدبية الذي استوحى ماركيز أسلوبه القصصي من خلال استماعه لقصص جدته التي أثرّت تاليًا في صنع مئة عام من العزلة. ويظهر لنا بتحفة أدبية تُقدر.

أكره المبالغة في التقديم لأسباب كثيرة وأولها هي إنني لي تجربة خاصة وفريدة فيني. ولي منظورات أخرى مختلفة. لكن بعد تعمقي في القراءة تفهمت كثرة المبالغات والمدّح في المقدمة للمترجم الذي لم يفعل خيرًا بي.

مرتبطة الرواية بالفلسفة التي أخذتنا المجلة الثقافية العالمية إلى رحلتها بشكل تفصيلي وفي مقدمة الفصل الأول إن الأشياء فيها حياة ذاتية، فقط ينبغي إيقاظ أرواحها. لم أكن اعرف الكثير عن هذه الرواية غير إنها مثيرة جدًا في العالم الأدبي وأثرّت ببصمتها الخاصة التي صنعت من خلالها وتيرة جديدة في الأدب. وهي تدور أيضًا حول محور أساسي وهو الأنسان ذاته.

لنبدأ قارئي، في عامنا الأول في مئة عام من العزلة، لنعزل أنفسنا سويًا معهما، لنذهب إليهم في ماكوندو، لندخل بيوتهم ونكشف عن أغطية سرائرهم ونحشر أنفسنا داخل قبلاتهم أترك واقعك المختلف عنهم وانعزل معهم ولنخوض تجربة جديدة، تتقلب مشاعرنا معهما نحبّهم ونكرهم ونبرر لهم.

نمسك بأيادي الزوجين لنرى ابناهما وأحفادهم وأحلامها وتعثرات حياتهم المليئة برائحة الشيطان من والدهم. سنتعرف على قلق -أورسولا- لولادة ابن ذو ذيل خنزير، سنتعاون على ‏كيمياء الأب الذي لا تولد تجاربه إلا في الغسق إنه يصرّ إلا تنجح هذه التجارب أمضى شهور المطر الطويلة مغلقًا على نفسه باب غرفة صغيرة شيدّها في عمق البيت حتى لا يعكر صفو تجاربه أحد. لأنه يثق تمامًا بما يرسمه لنفسه من أحلام، وأحلامه هذهِ تنحدر لأتجاه قد لا يكون سعيدًا قد هجر تمامًا الضرورات العائلية فإنه قضي الليالي الكاملة في صحن الدار متأملًا حركة النجوم، وقارب أن يصاب بضربة شمس أثناء محاولة لإقرار طريقة دقيقة لتحديد لحظة الزوال. وبعد عناء وليالي طويلة وأشهر عديدة أخيرًا يكتشف بـأنَّ الأرض كروية مثل برتقالة. لكن زوجته -أورسولا- لم يعجبها ذلك تمامًا! وقرّت بأنه كان سيجن فليجن لوحده، ولا يجب أن يلقن الأطفال بأفكاره الغجرّية. لكنّه يعود لأصراره ليقدم نظرياته لرجال القرية: الإنسان إذا أبحر دائمًا نحو الشرق لابد أن يعود إلى حيث بدأ. وحينما نتنفس الهواء في ماكوندو - نرى على الجانب الأخر من الكيميائي زوجته، -أورسولا-، الذي كانت خفيفة الحركة ونشيطة وصارمة؛ امرأة ذات أعصاب غير قابلة للتوتر. سنحضر ولادة الابن الأكبر الذي ولدا بهيئة طبيعية بعد تضرع والدته لله كثيرًا خوفًا من إصابته، خوفًا بأن لا يكون طبيعيًا.

شاعت أفكاره بأنها غجرية، وإنه مجنون، وساحر! ومخبول، ولا يجب تصديق ما قاله ولا ما سيقوله تاليًا بعد عدة بحوث يقوم بها في غرفته التي تحرمه دفئ عائلته. لكن سرعًا ما تحول هذا الحال إلى أن أختفت روح المبادرة الاجتماعية لدى -خوسيه أركاديو بوين ديا- تلك عن طريق حمى المغنطيسات والحسابات الفلكية وأحلام المقايضة وأشواق معرفة عجائب الدنيا. تحوَّل إلى عمل سحري غريب جعله يهمل في مظهره وفي أحلامه.

نرى الغجريين يأتون مع ألوانهم وزينتهم الزاهية وبلهجات متعددة يبيعون حلوى السكاكر على أشكال حيوانات لذات مختلفة تعتصر قلبك كلما قلّبت الصفحات وتقلب معهما أحداثهم لنكتشف بلوغ خوسيه. الابن الأكبر نراه يتمتع بتكشف مكونينه الداخلي الذي يذكرني بشخصية بيلا في فيلم أشياء مسكينة. حينما اكتشفت سعادة أخرى تستطيع الحصول عليها متى ما أرادت.

وارتبكت مشاعري لتجعلني الأحداث أشعر بأنني في رواية اشتهاء في منزل الحضرمية أو حتى رواية عطايف في جزيرة اللؤلؤ. أثرّ الأبن الأكبر في الأحداث مما جعلها تتفاقم. وتوتر سير الأمور.

التصّور مذّهل جدًا في هذهِ الرواية، يكاد يخطفني بلذة الكتابة، وانقلب العالم إلى حزن سرمدي. وشعر رجال الحملة بأنهم مثقلون بالذكريات الغائرة في أعماق القدم قبل الخطيئة الأولى في تلك الجنة ذات الرطوبة والصمت حيث كانت الأقدام تغوص في آبار من زيت مدخن، والخناجر تمزق زنابق دامية وسحالي مذهبة. وخلال أسبوع كامل، تقدموا في الطريق كمن يمشي أثناء النوم دون كلام تقريبًا-خلال كون من الكآبة حيث لا يكاد يضيء لهم إلا بريق خفيف للحشرات المضيئة أما الرئات منهم فقد اختنقت برائحة الدم. إلا هذا إبداعًا مذهلًا! الوصف الشهي الذي جعلتني أشتّم رائحة ‏آلام الضيّاع وآلام الأقدام، شعور اليأس وفقدان الوجهه! وليس هذا التصّور الوحيد الذي اكتشفته بل كانت متعة أكثر!

كان المترجم يقطع أنفاسي حتى وصلت للرواية أخيرًا لأنه يعلم بأننا سنركض بشدة مع أحداث الرواية الكثيرة، فقد كانت هناك أحداث تنهل بين يدي دون علمي بها أتفاجأ في نهاية الفصل أو منتصفه بحدوث شيء غير متوقع! فأعود لأسأل نفسي؟ ما الذي حدث الآن؟ .. سرعة الأحداث وسرد التفاصيل جيدة نوعًا ما لكنها أفقدتني شعوري بإتصالي مع الشخصيات أو ارتباطي بهم. فقد شعرت بأنني أنظر للوحة سريعة، العالم وسيع جدًا ويستحق نظرة عميقة وليست نظرة خاطفة تجعل الخطاء مني أو عدم وعيي الكافي أثناء القراءة! وكما ذكرت -لبنى الخميس- في طرح موضوع البطيء الذي يتعمق بإتصال حقيقي من النفس، لأنه يقوم بحركة بطيئة، تبطئ من دقات القلب، وتهدأ من وتيرة العقل، وتطمئن تواتر المشاعر، البطيء يذكرك أن الحياة تحدث هنا والآن وليس في غياهب المستقبل الذي تلهث باتجاهه. ربما تنهدش من صلة الموضوعين ببعضها حتى لو كانت رواية، لكن لنتذكر قليلًا بأنها رواية فعلًا، كتاب، من أربعة مئة صفحة من كلمات مترجمة وعالمًا حي. لا أستطيع العيش بوتيرة سريعة وتضربني بعدها وتيرة قراءة تجعلني الهث! اخترت القراءة لتهدئ من سرعتي التي أعيشها في وقتنا الحالي. القراءة تجعلنا ننفصل بعيدًا عننا وعن عالمنا لنخوض مرحلة بطيئة تدخل فيما اقتبست من لبنى الخميس. لتذكرنا بأنفسنا. ولنهدئ أنفسنا.

تعودت كثيرًا على القراءة السريعة التي تجعلني ملمة بالأحداث والقصة والشخصيات لكن مع مئة عام من العزلة، تجعلني ألهث بشدة وأفقدتني بريق رتم الرواية البطيء! فأنا أحيانًا أميل لرتم البطيء في القراءة بسبب إيقاع حياتنا السريع الذي يؤشك على قتلنا من سرعته! فلماذا ماركيز أعتمد السرعة بهذا الشكل؟ .. لكنني سأتفق مع المترجم ما أطعم أن نعيش «مئة عام» تضاف إلى عمرنا لتحل محل "بضع ساعات" سنقرأ فيها رواية.

هل المشكلة مني؟ أم من ضغط الدراسة أو كتابة ماركيز نفسها؟

بناء العالم مذهل دخلت لواقع مختلف لواقعي وتمنيت بشدة حضوري معهم ولو على الأقل أن أكون غجرية بينهم…

لماذا جعل العيب بي؟…

ولماذا كل شخص في الرواية اسمه "خوسيه"…

وبعد تقدمي في القراءة لاحظت المشكلة العظمى تقع في الترجمة ذاتها، فقد لاحظت نسخ جديدة منقحة وأشار المترجم في البداية بأنه تم نشر الرواية بعد الترجمة دون علم المترجم أو حتى القدوم على تنقيحها. فلهذا السبب لاحظت ضياعي بسبب “الترجمة” والترجمة أساسية في إيصال النص نفسه حتى لو كانت المشكلة في الكتابة نفسها. لم يكن العيب من الكاتب ماركيز. بل المترجم ودار النشر التي قررت نشرها دون تنقيحها. لأنني وجدت نسخ متعددة تنتهي برسم لشجرة العائلة لإيضاح المعنى الأصلي أكثر. ولم اكتشف هذهِ الرسمة إلا بعدما انتصفت وأدركت ضياعي وضياع حالي معهم. وقررت بإذن الله بأنني سأعيد قراءتها ثانيةً لنسخة منقحة واضحة جديدة. لأنني أشعر بأنني لم أقوم بتقدميها بشكل يليق بها. ولو خابت تجربتي الثانية فمن المؤكد أنَّ النص الأصلي يبكي ولم أرتبط به.

عالم مذهل وكبير جدًا وشهي لتفاصيله المتعددة ولهذا سأجعله إن شاء الله لقراءات الشتاء البارد في مدينتي الرياض. وأتمنى إنني قمت بطرح تجربتي وقدمّت الرواية بشكل جيد على الأقل كما قراءتها. لأنني مزدحمة هذا الأسبوع بشكل يقطع الأنفاس وها أنا اركض سريعًا لنشر هذهِ التدوينة في انتظار أن يجف نقش الحناء على يدي والمنتبه في جهازي يهرن بسبب تأخر الوقت وحتى تنتظرني صلاة العشاء 🏃🏽‍♀️

شكرًا لقراءتك. وأتمنى مشاركتها مع الآخرين 👩🏾‍💻.

إن العلم قد محا المسافات، وخلال فترة قصيرة، سيتمكن المرء من رؤية ما يحدف في أي جزء من العالم دون أن يغادر منزله.

لن نصل أبدًا إلى أي مكان، وهنا سنتعفن في الحياة دون أن نحظى بمزايا العلم.

إنَّ الموتى لا يخرجون من القبور. إنَّ ما يحدث هو أننا لا نستطيع أن نتحمل عبء ضمائرنا.

ترك ينجر وراء خياله نحو حالة من الهذيان الدائم الذي لم ينهض منه.

إن لحظة من التصالح أفضل من عمر كامل من الصداقة.

ذكاؤها، واكتفاؤها الذاتي يجعلان المرء يشعر بأنها أسيرة ثقل المئة عام.

— التقييم النهائي : ٦ من أصل ١٠ ⏳.

تعليقات

المشاركات الشائعة